أظن أن الأمر يحتاج لوقفة وانه أصبح واجبا عليّ أن اخفي سني الحقيقي
ما الامر المبهج في الوصول للثامنة والعشرين
اظنها بهجة المرة الاولى
الفكرة عند هذا الحد تبدو عبثية لأننا نمر على الارقام مرة واحدة
يرى الكاتب الصديق " حمدي ابو جلّيل " اني متعلقة بأبي أكثر من الازم
وأن ذلك يعيق حرية والدي في الحياة
اعرف فيما يفكر أبو جليّل بالضبط
فاجئني منذ أيام بان قال لي أنت كبيرة وممكن تربي حاجات
كنت اعرف أن حمدي أبو جليل يقصد اني من الممكن في سني هذا ان يكون لي أطفال
واكون بالتبعية قادرة على تربيتهم
وهذا يصل بنا لمربط الفرس – الانفصال المعنوي عن والدي
وقدرتي على تربية الحاجات – التي هي الأطفال ضمنيا
رددت عليه يومها بان قلت له ان أخر ما يمكن ان أربيه – هو البط-
ذلك الذي يشكك الصديق محمد الفخراني أني قادرة على تربيته
يقولها لي بيقين وسخرية معا – وانتي تعرفي تربي بط ؟
يبدو الموضوع حياة أو موت
أدافع عن نفسي أمام الفخراني واقول له
اني اكافح فوبيا الكائنات الحية
كنت بالفعل قبل سفري أسوان اخاف من كل ما تسكنه روح غير البشر
اتعامل مع عرائسي ودباديبي ولعبي بامان وحب لكني لا احتمل لمس عصفور أو قطة او أرنب
أي شئ يتحرك اكاد اموت من الرعب إذا أقترب مني
في أسوان كنت اكافح ذلك الجنون
يعرف كل أصدقائي من رواد مقهى التكعيبة أني أستطعت ان امسك اذن حمار
وأقف لألتقاط صورة تذكارية إلى جواره في توشكي
وأني حملت على يدي معزة – ولد " ليست بنت يعني-"- حديثة الولادة
وأني ركبت جمل وكنت اصرخ في رحلة الذهاب وأضحك ولا اريد لرحلة العودة ان تنتهي –
وان ابي لم يصدق ذلك إلا عندما رأى الصور بعد عودتي
وانه كان في حيرة من كل ما لفت انتباهي في أسوان هو النعامة والبطة والحمار والجمل
وسألني اكثر من مرة على الهاتف إن كنت في أسوان ام في حديقة الحيوان
كنت اكافح لأجل إرادة الحياة داخلي وداخل تلك المخلوقات المسكينة التي أخاف منها
ربما ترجع تلك المشكلة داخلي لأني كنت طفلة قاهرية لم تر في حياتها غير الكلاب الضالة
والقطط سيئة السمعه التي تحمل طوال العام من قطط عابرة سبيل
لم تشاهد حتى خطيئة القطة ولكنها تراها وهي منتفخة البطن
إلا الآن لا أتصور أن هناك اتصال حسي بين الحيوانات يحدث منه الحمل في حيوانات اخرى
وأن البطة تتزوج من بطة أخرى
كل ذلك يبدو فوق مستوى قدرتي على الاستيعاب – انا الطفلة القاهرية -
لم أكن أكذب وانا اقول لكل من أبو جليّل والفخراني اني الآن أظنني قادرة على تربية البط
وحده البط لا يعقد المسائل كالأطفال والرجال الذين يعتبرون خطوة لابد منها للحصول على طفل
يمكنني به ان أقهر فوبيا أن أكون – إمرأة – مكتملة الخبرات والتجارب- في هذا العالم المشوش المجنون .
كانت امي تبحث دوما عن إجابة لسؤالها – لماذا أبدو هشة سهلة الإيذاء ؟ لماذا دموعي قريبة سهلة ؟
لماذا يبدو ابي قلقلا عليّ رغم ادعاءه غير ذلك ؟
ولماذا يصدر لي طوال الوقت صورة ليست حقيقة بأني تغيرت وصرت اقوى
يلمح في عيني وميض الحب والكتابة والجنون
ويراني أجلس على ارضيه حجرتي بيدي قطعه شيكولاته
وزجاجة ماء مثلجة أشرب منها حتى أنسى .. ما يوجعني
يعلق طارق اخي دائما باني لابد ان اغير طريقتي في شرب الماء من الزجاجات قبل ان اتزوج
لأنه لو يعرف فتاة تشرب الماء بهذه الطريقة فطبعا سيتركها
وعندما يسألني عن سبب حزني
أخبره نفس الإجابة الكاذبة – محدش يقدر يزعلني-
طبعا اكذب لان كل الاشياء قادرة على إيذائي بسهولة –
لكني احتفظ لنفسي في النهاية بحق الإنكار -
الحب .. ذلك الإختراع الوحيد القادر على إيذاء البشر كالكوارث النووية
الحب – السحر الوحيد المتاح في عالم البشر
السحر الذي يصنع ما يفعله السحر تماما ..
يداوي القلوب العطبة ويحيي أوراق البنفسج الميتة .
. يوقف النزف .. ويجعل الحياة أكثر احتمالا
يسألني الرجل الذي اقتسم معه احلامي الافتراضيه عما يحول بيني وبينه ..
ولماذا أعرف ان اكون له اما جيدة ولا أستطيع أن انهي خريطة العلاقة لأصل لمقعد الحبيبة –
يسألني عما يفسد الاشياء كل مرة
تعرف صديقاتي بدايات ونهايات الكائنات الخرافية في عالمي –
الرجال عبث وخرافات أجاهد طوال الوقت لصنع تمائم لتجميدها لكني لا أعرف .
اخفق عندما ينظر في عيني .. ويهديني وردة ولمسة حانية ويسمح لي أن اقضي ليلتي أنظر في عينيه
واقضي نهاري إلى جواره على الرصيف أحكي له حكاياتي التي لا تنتهي
لا أعرف أن اغادر عالمه السحري
يعرف اني أحب التسكع في الطرقات وسندوتشات الفول من العربات الخشبية في الصباح الباكر
وفنجان القهوة من يد أحمد في سوق الحميدية
وقطع الحلوى بطعم الفراولة – والغرق وسط الكتب على الارصفة والمكتبات
وظلام قاعات السينما .. والدموع التي أحررها امامه
والضحكات التي تنبع من قلبي وهو معي
يعرف أني أحب أقلامه الرصاص وأبتهج لرؤية الممحاه التي ازيل به كل اثار وجودي قبل الرحيل ..
يعرف الكثير
لكنه لا يعرف
ان رحيله لا يؤرقني وأن سأموت لسبب أخر غير طعنات الحب
وانني لن ألومه لأنه رجل وستبدو نذالته هي التصرف الطبيعي لتكوينه الجيني كرجل
هو لا يعرف ..
أني أأمن جانب الفشل في العلاقات
ذلك يعطي نتائج اكثر احتمالا واقل رهبة من اكتمال اقمار العلاقات
ذلك يجعل الألم والجرح محدودا تماما
لا يعرف أني أحبه لأنه مستحيل
ولا يعرف ان يحبني كما أنا
ان يتحمل أمومتي الزائدة وخيبتي واخفاقي في ان اكون حبيبة ناضجة
لا يعرف أن يثق في قدراتي التي اظن انها تصلح فقط لتربية البط
واللعب بعلب البيبسي الفارغة على الارصفة ،
بالبالونات التي تحتفظ لي شيماء بها حتى لا افشى أسرار المؤامرات الطيبة التي يصنعها الاصدقاء
واستدعاء الجنيات الصغيرة التي يعرف الطاهر شرقاوي سرها .
بينما تشكك هالة في وجودها وتخاف رحاب من تحققها
وتصمت ترتيل لأنها تعرف اني أكلم أواني الطهي في المطبخ وتصدق أنها ترد عليّ .
ويفاجئني طارق هاشم انه يفكر إذا ما كنت كيانا حقيقا أم حلم يصادفه أحيانا في المقهى
لأن كل ما احكيه يبدو بالنسبة له خرافي تماما وغير قابل للتصديق
بينما يرتبك عمرو وينزعج من لعبة الكتابة ويتصل بي ليعرف أين الحقيقة والخرافات فيما اكتب
فأشرح له كل شئ ونحن نسير على كوبري قصر النيل بعد مشاهدتنا عرض مسرحي في الأوبرا
واطلب منه ان يطمئن عليّ لأن " كله تمام " .
هكذا اخبر عمرو ..
وهكذا أطمئن أنا..
وأذهب لشراء الخشب لأصنع بيتا مناسبا لتربية البط