Thursday, June 24, 2010

ساراماجو الذي لا أحبه

من صورة أرنب بيده جزرة وأربعة أحرف تحت الصورة علمتني أمي أن اقرأ
أرنب وبطة وتفاحة وثوم .
في كتاب تعليم القراءة الأول كانت طلاسم العالم تدهش عقلي الصغير
، لازلت اذكر رهبتي في امتطاء الحروف والنظر لأمي وهي تنطق لأنقل خلفها الكلمات ،وابتسم عندما أعرف .
المعرفة التي ورطتني فيما بعد ، وفتحت ليّ بوابة العالم السحري
لن أتحدث الآن عن – الكتابة – تلك المقدسة
لكني أتحدث عن القراءه ومتعتها التي نبتت كجذوة من النار اشتعلت في شجرتي بفعل شرارة برق خاطفة لم تقصد أن تمتد نحوي.
وربما قصدت .

تتحول القراءة من ساحرة طيبة نقضي معها الوقت ، تتحول من إمتاعنا وابهارنا وتوسيع مداركنا لشئ أكثر شرا وقسوة من ذلك كله...لدائرة تبتلع العالم الحقيقي
لوطن نحتفي فيه ، ونكتشف أدواته فنعرف الحب والموت والجنون والإيروتيكا
الفن الذي يجمد اللحظات لنتحسسها كلما أردنا ، ونستقبلها كيفا نريد وتبعا لأهوائنا
لنمارس مع المعرفة كل أوضاع الحب الحسية والمتخيلة .
لنحرك شهوتنا تجاه الحياة والمجهول لنغادر المسلمات ونبحث دوما عما خلف الحقيقي ، والثابت والمتوقع .

بدأت في قراءة ادب أمريكا الاتنية منذ 3 سنوات فقط ..كنت فيما قبلها مشغولة بقراءات أخرى واقتسام عوالم كثيرة مع أمي ،كنا نقرأ الحرب والسلام لتولستوي وبؤساء هيجو وأتعثر كثيرا في الولوج لعالم الروايات فتأخذ يدي كما تعودت دائما وتشير لي لمفاتيح الكتب والشخصيات .
صنعت معها جسرا من الروايات الجميلة وكان على راسها رواية مزرعة الحيوان لجورج أوريل – كنا نقرأ كثيرا ونتحدث عما قرأنا طوال ايام .

عندما رحلت امي ارتبكت حياتي عامين أو ثلاثة ثم عادت الحياة والاحتفاء بالحكايات والكتب... هكذا اكتشفت عالم أدب امريكا الاتينية وأسبانيا والبرتغال ، ولابد ان اؤكد أن الحياة قبل ايزابيل الليندي وماركيز وساراماجو وماريو يوسا وخوان مياس شئ والحياة بعدهم حكاية أخرى .

يقتسم معي شريكي في ذلك الهوس كل الكتب والحكايات ... نقضي ساعات نقرأ ونتحدث ونصرخ من فرط التاثر أو السذاجة أو النشوة ... نتبادل الحب على طريقتنا ....
في عالم أدب أمريكا الاتينية وعلى مدار 3 سنوات كنت أجرب العالم ، واقتسم مع رجل... الحب والكتب والتدخين والتسكع في الشوارع و النجوم .
صنعنا جسرا من الروايات الجميلة
بدأت بالحب في زمن الكوليرا وليس مائة عام من العزلة لماركيز
ثم ابنة الحظ لإيزابيل الليندي وليس بيت الارواح
ثم شيطانات الطفلة الخبيثة ليوسا وليس في مديح الخالة
بدأت اللعبة بهذه الكتب الثلاثة
ثم اتسعت لتشمل الجميلات النائمات لكاوباتا وليس الصرخة الصامتة ، وقعنا في غرام الجميلات النائمات – النسخة التي قدمها ماركيز بحب وحقد قبل أن يضعف أمام إغواء عالم هذه الرواية الجميلة فيكتب شبيهتها " ذكرى عاهراتي الحزينات"
تعجبنا اللعبة كل يوم اكثر ويمتد جسر الكتب بيننا ، عوالم جديدة ومحبة وشفرة تخصنا وحدنا ...
جربنا ايضا جيشا لأرثر جولدن
وربما اسمي أحمر لباموق
، والعمى لساراماجو ، ورواية مطبخ للكاتبة اليابانية بنانا يوشيموتو

كثيرا ما نقرأ بدافع المتعة واكتشاف العوالم ، وكثيرا ما نقرأ بدافع العمل واختبار الكتابة الادبية وخصائصها لدى كل أديب ... نختلف كثيرا حول الكاتب الواحد يحب احدنا كتابا ، ويفضل الآخر كتابا غيره ،لكننا في النهاية ومع كل هؤلاء نستمتع .

إستثناء وحيد نقرأه لأننا لا نستطيع أن نفلته "جوزيه ساراماجو" الذي نال نوبل عن مجمل أعماله وإن كانت روايته العمى هي التي وصلت به لهناك ...
ساراماجو الذي يبدو كالشتاء يحبه كل اصدقائي واكرهه أنا ، دون أن نشعر بأي ذنب نسبه أنا وشريكي سرا بيننا بألفاظ بذيئة .
نقف عند رواية العمى ونقول لو كتب العمى وحدها فهي كافية لاعتباره كاتبا كبيرا
، نخجل كثيرا من إعلان رأينا في المتعه الشحيحة التي تحققها لنا كتب ساراماجو
امام الحاح الأصدقاء الكتاّب جميعا ان ساراماجو جامد أخر حاجة .
بلا كلل نقرأ الأخر مثلي ثم يقاطع كل منا الآخر بأنه لا يستمتع إطلاقا ..أهون عليه احيانا أصل الفكرة حلوة – طب اصبر شوية .
نعود لقراءة الذكريات الصغيرة ثم الطوف الحجري ، فأحادثه وانا نافذة الصبر واقول – مش مبسوطة – يبادل وضعه معي هذه المرة ويقول اصبري الطوف الحجري حلوة .
نقرأ ولا نصل للمتعة الصافية والنشوة التي يحققها لنا الحب والكتابة الحلوة .
حتى حصلنا على رواية " إنقاطعات الموت" لساراماجو
لم نكن نخطط لشئ
أبدى رغبة لقراءه شئ جديد لساراماجو ورغم كل ما حدث لنا معه تحمست جدا لأن صديق لي كان قد اخبرني عن رواية جديدة له بترجمه صالح علماني ستصدر قريبا عن سلسلة الجوائز .
اسم الرواية " انقطاعات الموت" تحكي عن الموت الذي توقف فجأة عن اداء وظيفته ، بهرتنا الفكرة وبحثنا عن الرواية وحصلنا على نسخة وتكرر السيناريو
أقرأ بنهم لان الفكرة براقة جدا .
أجد بعد عشرات الصفحات الجافة الذهنية كتابة من لحم ودم ، بشر يعانون
ثم يبدأ الكاتب في لملمة الجزء الذي سحرني مرة اخرى ويقول تظاهروا انه لم يحدث ... ثم يفرض من جديد سطوة أسلوبه الجاف، وافكاره التي يقدمها لنا هكذا
لا يجملها ، ولا يترك فيها شيئا من روحه ليبلل جفافها ، لكنه يفعل شيئا أخر حقيقي تماما ... يصب فيها رغبته في التغيير ، وايمانه بأفكاره ، وألعاب عالم الكتابة الذي يخصه .
في العمى وانقطاعات الموت يلملم ساراماجو العالم الذي نعرفه بنواميسه ومنطقة ويخترع أشياء أخرى ، فيغرق العالم في عمى حليبي أبيض ، ويضعنا امام رغباتنا الشريرة وحيوانية البقاء داخلنا بعيدا عن التمدن والشعارات البراقة لاشئ غير صراع للبقاء.
وفي انقطاعات الموت يعطل الموت ويرصد العالم الذي توقف فيه الموت عن العمل
يحكي عن المرضى المتجمدين على حافة البقاء ، ويحكي عن الطرق التي سلكها البشر للتخلص من هذه الورطة ، يتكلم عن مشاعرنا بشان غياب الموت وحلم الابدية ، يربكنا ويمتعنا ويحبس أنفاسنا بعادية .
ساراماجو لا يهتم الا بأفكاره يرى انها وحدها صاحبة دور البطولة في الكتابة
إنقطاعات الموت أمتعتني جدا وامتعت شريكي .
قضينا وقتا جميلا في قراءات ، وساعات لطيفة في التحدث عنها .
قرأت نصفها الأول ثم حكيته له على الرصيف في الشارع ، ثم انهى هو قراءتها قبلي وحكي لي الجزء الذي لم اكن قد اكملته بعد على الهاتف... كنت اسمع صوته متاثرا بالجمال والدف المختلط فيه الخوف والموت بالحياة والحب.
انقطاعات الموت التي احببناها علمتنا كيف نتورط مع ساراماجو ، وكيف نغفر له ولنا عثرات الجفاف التي يمطرنا به في كتبه الآخرى التي تحكي عن رجل ينشغل بشبيه له طوال مئات الصفحات يتحدث مع نفسه ويخطط ويدبر ليقتل الرجل – في الآخر مثلي- لا شئ واضح يعيننا على أن نكمل الكتاب ، ومع ذلك لا نفلته وفي البصيرة وصناديق الاقتراع والبلد التي لا تجئ للتصويت لا شئ يمسنا لنكمل ، وفي ذكرياته الصغيره لا أجد الخيط الذي احتاج ان اتشبث به حتى لا انزلق من عالمه في كتاب الذكريات .
ساراماجو الذي لا احبه
امتعني وأثار بيني وبين شريكي جدلا لم يفعله كاتب آخر ،نسبه ببذاءه ثم نكمل الكتب ، ونضع له وحده في جسر الكتب الذي بيننا روايتين.
لكل منهما جمال وزخم وقوة كاتب يعرف جيدا ما للحروف من سطوة وتعاويذ .

Saturday, June 12, 2010

سارق الفرح


أسئلة كثيرة أغرقتني يوم امس
ذلك اليوم الذي بدى ثقيلا ومحملا برائحة الدماء والعجز والكفر
كنت قبلها بأيام أفكر في مروة الشربيني ، وفي فاجعة الدويقة وعبارات الموت وفي معهد الاورام الممتلئ عن آخره بضحايا المرض الذي جاء لهذا البلد مقابل ملايين اودعت في خزائن عديمي الضمير .
من الذي يحكم هذه البلد
التصريحات الكوميدية التي يقولها كل الوزراء عن اي إنجاز صغير
بانها مقترحات الرئيس ، وأن الرئيس أوصى ببطاقة تموين وزجاجة زيت ورصف شارع وغطاء لبالوعة
الرئيس مسئول عن كل كبيرة وصغيرة
ماذا يفعل صف من الوزراء والمجالس التشريعية والنيابية
وهل الرئيس يفعل كل ذلك بالفعل !
كيف تمشي هذه البلد الذي تبدو فيها كل محاولة للإصلاح دربا من العبث
لا نستطيع ان نعدل في الدستور لأن المهرجين يقولون في وسائل الإعلام المأجوره بان لا شئ اسمه تعديل دستور وأن ذلك ضحك على عقول البسطاء
المطالبة بالإصلاح والتغيير ضحك على البسطاء ، ما تفعله الحكومة ووزارة الداخلية عهر علني
كيف ستنجب هذه البلد غد افضل نستطيع ان نحيا فيه بكرامه وإنسانية وهي لا تستطيع ان تضم فخديها قليلا لترتاح من الداعرين الذين يتاجرون في لحمها .
أنا لا اكتب في السياسية ولا اشارك في المظاهرات ولا اذهب لاي نوع من الإنتخابات لأن كل شئ مشوش ولأن السيرك ممتلئ عن آخره بالمهرجين والدجالين .
أنا لا اصدق في شئ غير قدرتي وقدرة الشرفاء على الحلم ، ومقاومة القبح
وزرع وردات ملئ العالم
لكن لا ورد يصمد في مياه الصرف المسمومة
ولا شرفاء قادرون على المواجهة لأنهم ضعفاء عاجزون مرتبكون
كنت اطمئن عندما كنت شابة في مقتبل حياتي العملية وانا اتحدث عن القضاء المصري ، وأعرف أن كل عدل سيتحقق اذا تدخل النائب العام
لأنه رمزا للدفاع عنا
العدل – تلك الكلمة التي ظللت ارددها طيلة يوم أمس كالمجذوبة وكأني أجربها وأتأكد انها لازلت تتكون من نفس الحروف واتساءل هل لها مدلول هل لها قوة
كيف يقبل النائب العام بالإفراج عن المسئولين عن مذبحة الشاب السكندري ضحية البلطجة ، ما الذي حدث لضمير الطب الشرعي
ما الذي يحدث في الشارع المصري
وفي القضاء الذي استسلم لطوفان الفساد ،
المماطلة في الحق ضياع له
محاكمة السكري وهشام طلعت هل كانت تحتاج لكل ذلك الوقت للحكم بالادانة – الصفقات المشبوهه تضيع الحق وثقتنا في غد أفضل
الغموض في قضية هبه ونادين / المختلين العقليين الذين تحملوا كل القضايا في العشر سنوات الأخيرة
الشباب الذي يقتل نفسه على الكباري من اليأس والحزن والإحباط
الشمس التي منعوا نورها والغد الذي شوهوه والفرح الذي ننتظره جميعا في هذا الوطن من الذي سرقه
!

Thursday, June 03, 2010

مشعلو الحرائق

عشق بسيط لأني ارنو والوله التركي لأنطونيو جالا ، وصديقة قتلت حبيبها واخرى انتحرت ،وعذاب العشق الذي يملئني ولا يمس رجل احبه فأبدو مثل غارقة تلوح من خلف زجاج فاميه يسمح لي أن أراك جيدا، وأرسم على وجهي كل علامات الغباء والحزن لأنك لا تستجيب لإشاراتي . مثل ذلك كله يبدو العالم حولي مضطربا
أتذكر مسرحية مشعلو الحرائق لماكس فريش ... وأنا ارمي عقب سيجارتي السرية على أرضية الحجرة الممتلئه عن اخرها بأوراق تخصنا
أنا وأنت والكتابة التي تخلق بيننا رابطة دم ... يشتعل كل شئ
في ليلة الخميس أجلس في المنضدة التي تسمح لي أن أرى جانب من ميدان طلعت حرب ...المنضدة الوحيدة التي تستطيع عليها أن تهرب من بار ستلا ، الذي يحيلك فور دخوله لفيلم عربي قديم ، ويفصلك عمن تجلس معهم لانك تنتظر أن تنزل هدى سلطان سلالم غير موجوده وهي تقول ايوووه اسكندراني ما عاد يستخدمها أحد .
أدفع الساعات الباقية في الليلة ليجئ يوم الجمعة فأرتدي عباءة خليجية ناعمة وأذهب للسيدة نفيسة وأنا اتذكر أن صديقتي ستوبخني لأني أتعامل مع الأولياء كالمجاذيب.
أصحح لها المعلومة – السيدة نفيسة حاجة تانية- هناك أجلس على الأرض وأفكر في اشياء كثيرة تؤلمني ، أترك لصاحبة المقام حكاياتي وأصلي الجمعة في ذلك الطقس الذي يضم روحي ويربت جسدي المتعب .
وأقرر أني سأشعل شمعه أخرى عند زيارتي الكنيسة المعلقة المرة القادمة ، وأني سأجدد نفس دعوتي ولن اغيرها
أن يمسك داء العشق الذي يملئني ، أن تنظر في عيني ذات مرة فترى شيئا جديدا لم تصادفه في كل السنوات الفائتة أن تعرفني عندما تلقاني
هل تكفي دعوتي هكذا !

بجوار السائق الملتحي تجلس سيدة تشبة موظفة خمسينية نسلها كله من الذكور ، تحكي للرجل الجالس جوارها دون سابق معرفة عن الشاب الذي شنق نفسه على حديد كوبري اكتوبر وعن آخر رمى نفسه من فوق سطح العمارة بالشيخ زايد...تحكي الحكاية مرة أخرى دون تغيير ثم تخرج الجريدة وتري الرجل والسائق الحادثة .
يسري جدل في الأتوبيس حول سبب الإنتحار،تؤكد السيدة ان الحوادث سببها قصص حب فاشلة يرفض السائق تماما ويقول ده كلام جرايد
مفيش حب دلوقت – سبب الإنتحار فشله في الحصول على وظيفة او ضائقة مادية... يؤمن الركاب على كلام السائق الذي يعيد الكلام هو الآخر بذات الثقة ده كلام جرايد مفيش حب دلوقت.

أتذكر أنا رجل القطة الذي أحرق الشقة من أيام بعدما احتضن قطته التي اعتاد ان يضعها تحت الماء البارد في ثلاجة الكولدير بالشارع
ثم يعود لبلكونته حيث يجلس عاريا تماما يخاطب كائنات لا يراها غيره
أتذكر كل ذلك ... ومعه فشلي في القبض على حكاية تصلح لقصتي القصيرة التي أحتاج أن أنجزها عن المهمشين .
تلك القصة التي وضعتني أمام حقيقة مخزية ... انا لا اعرف الكتابة عن سكان الفوضى في هذا العالم ، تبدو حكاياتي عنهم تقريرية
أكتب ما اشاهده لا أملك نقطة يقين أنطلق من داخلها نحوهم
فيبقوا طوال الوقت رجل القطة العاري والفتى المشنوق على الكوبري
في البيت أجلس أمام المرآه لأفكر ، وكالعادة لا المح انعكاسي
أتذكر أني منذ غرس ذلك الرجل عاري القدمين متسخ الثياب مديته في جنبي عندما كنت اتحدث معه عن حياته بحثا عن قصة تصلح للكتابة
من يومها لا ألمح طيفي في مرآه حجرتي
.
 

كراكيب نهى محمود © 2008. Design By: SkinCorner