كل الأشياء التي أحبها ، كل البشر والكتب ومشاهد السينما ،وذكرياتي الكثيرة
من الفرح واللقطات الحلوة والمشي لساعات طويلة في الشوارع تحت شمس تحبني وأحبها ، فناجين
القهوة ، كل ما يبهجني ، كل المفاجآت التي صنعها لي من أحب ، كل الهدايا التي تزين
جدران روحي ، كل الأحبة والأصدقاء والأهل يملئون قطعا من قلبي .
لكنها وحدها تملك قلبي كله ، فأتسلل من فراشي ليلا وأقف أمام سريرها الصغير
الذي تدور فوقه نجوم وقلوب يتدلى منها " أسد وزرافة ودبدوب وقرد " ويغزفن
لحن يليق على ابتسامتها الصغيرة .
أحيانا استيقظ قبلها بثوان في اي وقت من الليل ، فأعرف بحدث اختبرته حديثا هو " قلب الأم" انها ستفتح عينها حالا
وتبدأ في بكاء متقطع بحثا عن طعامها ، ربما أنهض من نصف نومي مغمضة العينين فاذهب
نحوها لأغير الحفاض في اللحظة المناسبة تماما ، وابتسم لنفسي كيف عرفت انها تحتاج
لذلك الآن .
" يسر" التي اهدتني الأمومة ، فعرفت ان كل ما كان قبلها لاشئ ،
وأن أكثر لحظاتي صدقا وتجسدا في هذا العالم كانت لحظة مجيئها .. كنت خائفة حد
الموت ، أنا التي ترهبني شكة الإبرة ورائحة المستشفيات ، حاولت ان استجمع شجاعتي وآخذت نفسا عميقا
وأخفيت بيدي نصف وجهي بينما يتحرك السرير نحو حجرة العمليات ، كنت اشعر بالدموع
تحاول أن تطفر من عيني كنت أقاومها لم ارد أن يراني أبي ومحمد وكل من حضر ذلك
اليوم وأنا أبكي قبل دخولي للعمليات .
كنت اقاوم البكاء وعندما اختفوا جميعا من امامي بكيت ، حتى سمعت صوت طبيب
التخدير يطلب مني التوقف حتى لا يؤثر ذلك على ضغطي المضطرب أصلا .
تأخرت الصغيرة في الوصول لحجرتي ، وصلت قبلها وقالي لي الجميع أنها حلوة ،
محمد وحده جاء جواري وقال لي انها تشبه " حلا " فابتسمت
حلا هي ابنة عمي الأصغر والأحلى في بنات العائلة الصغار ، وكانت فعلا تشبها
كثيرا ، يتغير شكلها كل يوم ، أيام أشعر انها نسخة صغيرة من محمد بحركة فمها
واستدارت وجهها ، ألمح فيها الأشياء التي أحبها فيه ، وأشم رائحة جسده .
يسر التي أخذت معصم أمي المكتنز الرقيق ، وحركات يدي ، وعيوني .
يسر التي يقول أبوها انها تشبه جدته التي يحبها كثيرا ، وأن رائحتها تشبه
رائحة جسدي ، وأنها طفلة لها مذاق الفرح والعيد .
يسر التي فاجئتنا ابتسامتها منذ أيام ، ونظرات تخصنا بها بعدما كانت منذ
ولادتها تتامل الحجرة وتحدق ناحية ملائكتها وتبكي .
تعلمت أخيرا ان تبتسم وتنظر ، قلبي الذي يذوب مثل قطعة المرشملو وأنا
احتضنها في الصباح ، الفرح الطفولي الذي اشعر به وانا أحملها في الشارع عندما نخرج
معا ، أشعر بزهو لم أشعر به في حياتي ، اود ان أخبر كل من اصادف ان تلك الحلوة
الصغيرة تخصني ، وأنها لي يمكنني الإحتفاظ بها كل ساعات النهار والليل .
عندما أخرج بها ، أراقب نظرات الناس ، ابتسم لفكرة أنهم يعرفون أني أم
لطفلة .. وعندما أهاتف أصدقائي واتحدث مع الجميع أتعمد ان اناديهم باسماء ابناءهم
ليردون لي النداء ويقولون " أم يسر" كم هو عذب وملائكي أن أكون أم .
أفكر ما الذي كنت أفوته طوال السنوات الماضية ، واي متعة يمكن أن تضاهي ان
اغني لها واحممها وأختار لها الملابس وأطعمها ثم أخفيها في حضني .
عندما تخرج مع أبيها للتطعيم أو لأي مكان اتحسس بطني واشعر أنها لازلت
بالداخل ، لا يمكن أن تغيب عن إحساسي بها ابدا انها هنا راقدة جوار قلبي ، هي التي
تملك كل قلبي . مثلما سكنت أحلامي منذ سنوات بعيدة .
هي الصغيرة التي تخصني ، والتي جاءت تماما بمقاس روحي .