skip to main |
skip to sidebar
لها حبيب يوصيها في الأونة الأخيرة ألا تكتب عن الحب ، لأن بائع البطاطا كتب على فرنه الحديدي ، بطاطا الثورة
ولأن علي الحجار كان يقصد بنتا أخرى عندما غنى لها – حبيبتي هي الجناح ، وهي ورد الندى وهي شمس الصباح- الألحان ذاتها التي تمس قلبها كل نهار فتبعث إبتسامتها رغم الخوف .
البنت الخائفة من الجنيات ، واشباح مخاوفها العميقة والطافية على السطح بالقوة ذاتها .
البنت التي تحاول التوقف عن تيمة البنت التي ، وتحاول التوقف عن الإرتجاف ليلا حتى وإن مد لها القمر جسرا من الفضة التي تحبها ودعاها على الأقل عشر مرات لزيارته
ستبقى خائفة ، ولن يعدل مزاجها غير أن تكتب كتابة تمس جروحها فتبرأها ، لن يخفف عنها غير وجوده وضمته لها .
هو الذي تجمع لأجله لقطات العالم حتى لا تنفد الحكايات بينهما ، وتلملم أبيات الشعر ، وتحتفظ لأجله بساعات المساء ، وكل الأحلام
تمنحه كل الأحلام ولا تخاف من الوجع ولا الفراق ، لها حبيب يوصيها ألا تكتب عن الحب
، لأن الحب بدا منزعجا في المرة الأخيرة التي صادفه فيها ، وقبل أن ينهيا جلستهما الذكورية جدا أوصاه وهو يتكئ على يده أن يخبرني ألا أكتب عنه كثيرا ، لأنه سيلجأ للقضاء في النهاية ويتهمني بالتشهير .
الحب ، والرجل ذاته ، والأحلام التي أدخرها لأجربها معه ، وقوس قزح ، وقلبي الذي أعياه الحزن والخوف كلنا نتقابل عند حافة العتمة ، ونفشل في العبور لطاقة النور
لأن شفرة المرور تحتاج لإيمان لا يملكه أحد منا
ولأني خائفة وحزينة ، وأفكر فيما قد أكتب لو نفذ الحب تهديده الأخير ومنعني من الحديث عنه .
أجلس جواره في مكاننا المعتاد ، ابتسم الآن لأن الأشياء التي لها صفة الإعتياد وبيننا تبهجني.
يسألني ويحاول ان يبدو رقيقا – على غير العادة – لأنه يغضب لو ضبط نفسه متلبسا بفعل الرقة ، هكذا تقول افعاله أنا رجل قديم ، الرجال القدماء ينتظرون طوال الوقت رائحة البخور ودعاء أمينة .
أنا احب رجل قديم ، يتمسك بأشياءه القديمة ، ويصارع ليبدو امامي رجلا حداثيا .. لا اصدقه ابدا ، ولا يهتم هو بذلك
لكننا نلعب معا دوما كقط وبطة ،هل راي أحدكم قطا يلاعب بطة !
في جلستنا هذه المرة جاوزت الحرارة الأربعين ، كان صيفا بإمتياز ، الشمس تترك رشرشات الملح على بشرتي - فقط لو تذوقها ذلك المخبول الذي يجلس جواري- ، ألمح أطيافنا وطاقات أجسادنا تمضي حائرة بيني وبينه كما يليق بإمرأة متيمة ، ورجل يحب .
هو لا يلمسني وأنا لا أهتم بذلك ، فما يصل عبر الممر السحري يكفيني ويفيض.
مزاجي رائق ، وهو يبدو مرهق كطفل قضى نهاره يلعب في التراب ومع جنيات غير مرئية .
في جلسة مثل تلك أنكمش على ذاتي ، وأبدو أنثى قديمة هشة لا تبالي بنظريات الحداثة ، وما بعد الكولونيالية.. أهتم فقط بمراقبتي لدقات قلبي وابتسامته .
في جلسة مثل تلك يكسر هو نعومتها بتذكر كل الأشياء التي لا تعجبه فيّ ، هكذا يشعر بقوته ، وبسيطرته على دفة الأمور ، اتركه يفعل لأنه يتركني افعل عندما ارغب في حمل راية الحكايات .
نتحدث عن خوفي الفطري من الحيوانات ، هو يعرفه ويغضبه اني لا أحتمل التعامل مع العصافير والطيور والحيوانات الأليفة وغيرها .
أنا لا امس شيئا حيا لأن ذلك يفزعني ، ويملئني بقشعريرة لا أحتملها ، هو يضغط عليّ ويمارس رجولته القديمة دوما في هذه المساحة بيننا
يتهمني بالسخافة ، كنت ادافع عن نفسي كل مرة كمتهمه هذه المرة هززت رأسي واعترفت – عندك حق أنا سخيفة-
شجعه ذلك على التمادي أقنعني أن أتغلب على هذا – الديفو- في شخصيتي
، سألني كيف سيكون حالي لو قابلت حيوانا يحتضر وكان لابد عليّ أن اهب لنجدته
أخبرته اني سأبحث عن قفاز أو أي شئ يمكنني من لمس ذلك الكائن ، ضيق علي الخناق وأخبرني الأمر يحتاج لقرار سريع
لم اجد بدا من ان اقول له حسنا سأنقذه
في المساء كنت أفكر في إجابتي ، وهل حقا كنت سأنقذ الحيوان ، في البدء هززت رأسي ثم قلت طبعا طبعا كنت سأفعل لكني لن استخدم يدي حتى اعود للبيت
سأغسلها عشر مرات ولن آكل بها حتى اليوم التالي
في الصباح قلت لنفسي وانا أقف أمام المرآه وبدون حتى أن اكرر السؤال
لا لا كنت هسيب الحيوان يموت
على وجهي انتشرت ضحكة شريرة ، وقلت كنت سأتركها تموت
أنا لا أحب الكائنات الحية ، أحب الزهور ، لو رأيت شجرة تموت او زهورا تذبل سيملأ الحزن قلبي ، سأحاول أن انعشها أكثر وقت ممكن
أما الأشياء الأخرى ربما لا تهمها مشاعري نحوها لأن هناك من يحبها .
في المرة القادمة سأخبره اني سخيفة وأكره الحيوانات الأليفة ، وسأسمح له أن يعايرني بذلك قبل ان ينزل السلم المتخيل وأمضي خلفه أحمل المبخرة وأتمتم بأدعية الرقية داخل الكادر الأبيض وأسود لفيلم بين القصرين .
مثل قوة وفتنة موسيقى كارمينا بورانا لكارل أورف يبدو كل ما يخص حكايات وحيد الطويلة ، وهو الكاتب الصديق الذي يبدو مثل تعاويذ البهجة والصخب والإنسانية المعجونة بالحياة . شاهدته مرات قليلة قبل أن نصبح اصدقاء ، هو لا يذكرها بالطبع لكني كنت أتفرج على ذلك الرجل المحاط بالمحبة ، يحكي لي اصدقائنا المشتركين عنه ، سيرته تبعث على الإبتسام . أشتريت روايته " العاب الهوى منذ أعوام من باب الفضول فضول رؤية ذلك الرجل الذي أرى الهواء يتراقص كلما مر ، عندما فتحت الكتاب رأيت إهداءا عذبا لإبنته كتب فيه " فيروز .. ابنتي الصغيرة ، كم أود لو أهديتك القمر ، تعطيه لحبيبك عندما تكبرين ، لكنهم نشلوه أمام عيني ، بعد أن وضع في يدي قطعة حلوى ، حبيبتي فيروز ، إليك اوراقي عله يعود " عندما قرأت هذا الإهداء ولسنوات بعدها كلما اخرجت هذه الرواية من رف المكتبة ابتسم وأتساءل عن الرقة التي تملكت رجل ليكتب هذا الكلام لفتاة مرات كثيرة كنت أنظر للقمر فأتذكر أن احدهم سرقه وأن الكتابة ستعيده لكفوف الصغيرات .. ذلك إيمان صديقي الذي لم ألتقيه بعد لكننا جميعا اصدقاء لأننا نملك شجاعة الإعلان عن هواجسنا وجنونا الخاص في شكل كتابة ، بينما يقضي البشر الباقين عمرهم كله في إخفاء ما نرميه نحن على الأرصفه وننشره للكون كله . نزقنا وجنوننا وضعفنا الأثير، وحكايات الجدات ، واسرار العائلة التي يحرص الجميع على تجميلها ، نبحث فيها نحن عن العادي ، الفضائحي والمربك والباعث على الخجل لنصنع منه اساطيرنا الخاص . كلنا الرجل ذاته ، كلنا نعرف بعضنا حين نلتقي ، الشفرة السرية / العلنية لأصحاب القلوب التي لا تبقى داخل الصدور وإنما نحملها على كفوفنا ونتركها عرضه للنهب والألم . وحيد الطويلة مثل كل هؤلاء المسكونيين بالحنين والجنون ، مثل حاملي القلوب له ما لهم وعليه ما عليهم ، له الليل والسهر وأسرار الحكايات ، وعليه الحنين والأرق في أحمر خفيف كان الصخب عاليا منذ الصفحات الأولى وحتى النهاية ، أكثر من قدرتي على التمادي والتورط وسط شخوصه نصف الواقعية / نصف السحرية ، وكأنها تجئ من جعبة تخصه وحده ، المنطقة بين النوم واليقظة ، الهلاوس واليقين الموت الذي تتعلق عند حده كل الشخوص، القدر الذي يتجمد عالم روايته كله ومستقبل أبطاله في انتظار ضربته القاسمة ليموت محروس وتستريح الطبول من الدق رواية تضعك عند حافة الجبل ولا تهتم بإرجاعك ، سيمنحك الجميع ، ويورطك مع أبو الليل وبحثه عن نجمه بإمكانها أن تشفيه فقط لو رأته ، لو رقصت معه سيمرر لك سخرية لاذعة من شخصيات من الممكن ان نكرهها في كتابة اخرى ومع كاتب آخر ، لكن وحيد لا يأبه ان يمرر لنا الكره لأحد ، هو يقدم شخوصه بضعفهم وطمعهم و خيباتهم فلن نكره العناني وهو يبدو متذلالا ليأخذ العهد ، لن نكره عزت من يحب النساء والحمير لن نكره من قد نبغضهم في كتابة أخرى ، سنجد عذرا للجميع وكأن كل منهم له خيط داخلنا سنرى نفسنا في الشخوص البعيدة عنا في فرج الذي رمى نفسه في النار وهو مؤمن أن الله سينجيه ، سنحب كل النساء في هذه الرواية .. من يطارد الموت ، ومن يطارد الثأر ، ستجدنا جميعا هناك أساطير وحقائق تسعنا جميعا وتفيض . سنحب النساء مثلما يعرف ذلك الرجل الرقيق أن يحبهم ، أنا كنت مغرمة بعزيزة ، لأنها تحب ، وأنا أحترم النساء المبتليات بالمحبة . سأتذكر المرة التي كنا نتحدث فيها عن عزيزة وفرج ونحن نسير في وسط البلد وحكى لي عنها قبل أن أقرأها ، سحبت قطعه من قلبي وبقت هناك وعندما قابلتها في صفحات الرواية امتلئت بالبهجة ، كنت أفرح كلما ظهرت . وحيد الطويلة الذي أذكره كثيرا كلما سمعت أغنية مفرحة ، وقرأت كتابة حلوة ، ومرت جواري نسمة هواء باعثة على الامل هو رجل يقدر ان يمرر كل ذلك لأصدقائه فرحت جدا عندما تقابلنا اول مرة ، وقضيت سهرة مميزة على رصيف مقهى وهو يتحدث لنا نحن اصدقائه عن الكتابة والموسيقى والمقاهي يتحدث فأفكر أنها من المرات القليلة التي أقابل فيها رجل يحكي كما تحكي الأقمار في ليالي السهر الطويلة ، ويؤنس كما تفعل النجوم في الصحراء ويبهج كأقواس قزح ، واقتسام لحظات تحت المطر مع من نحب . هو يحمل في قلبه بهجة أكثر من ذلك ، وموهبة ومحبة للحياة تشي بها طاقته التي تبقى بين اصدقائه حين يغادر ، وحتى يعود من السفر ، فيضئ من جديد .