Saturday, September 26, 2009

غواية

أتحسس الطريق نحو الضوء البعيد
تحت تأثير الغواية يبدو كل شئ محتمل
تحت وطأة الجنون تخف أعباء الكون ... أتملص من الشراك التي تمتد لمساحتى الخاصة من البراح .
ينبت لي جناحين جديدين
أنوي المحافظة عليهما هذه المرة ضد عوامل القهر والضعف وقسوة إمتلاك من تحب لنا .
أخفي المقص الصدأ الملوث بدمائي ودماء من سقطوا في معركتي الأخيرة
أضعه جوار السكين الصدأ الآخر العالقة به اثار دماء القصص التاريخية الأخرى
أدرك الآن حقيقة دمويتي وشري
تحيرني قسوتي ... وتزعجني قسوة الحياة
تؤرقني السيدة التي تبيع عشر ليمونات وخمس أكياس مناديل ورقية في الميدان الحزين ..
تحيرني ملامح أمي التي تتسلل لوجهي
ابتسامتها ونبرة صوتها وأشياء وحدي أعرفها ويعرفها الزمن .
تناديني طفلتي فأعتذر ، وأخبرها أني خائفة أكثر منها ..
أنتفض على باب المستشفى فأعرف اني لم اتملص بعد من أحزاني ...
يسندني أبي
وأداري أنا رهبتي
لكن الأشباح تتكأ على كتفي وتهمس لي بحكايات أعرفها .
ترفض المريضة أن اشتري لها الورد لأنه يحمل لها نذير شؤم
تخبرني انه آخر ما أهديته لزوجها قبل وفاته
تتهرب من الموت القادم في باقة زهر بريئة المنظر .
أغمض عيني وأتركه يقبل جبيني وعندما يمس رقبتي ارتجف من جديد ،
وأهمس له بمخاوفي واشير نحو الضوء البعيد
يطبق يده على أناملي
اتبعه حيث يبدو كل شئ محتمل تحت تأثير الغواية .

Friday, September 25, 2009

ساحر الحب

أنا أعظم عاشق في العالم
كل إمرأه هي لغز حقيقي عليك ان تحله
لكن المرأة لا تخفي شئ أمام عاشق حقيقي
لون بشرتها يمكنه ان يخبرنا كيف نتصرف
لون كإحمرار الزهرة .... وردي و شاحب
يجب أن تحايلها حتى تفتح لك أوراقها
بدفء كدفء الشمس
البشرة الشاحبة والمنمشة
لذات الشعر الأحمر تدعو لموجة من الشهوة
تضرب الشاطئ
فتقلب كل ما بداخلنا
فترسل بسعادة الحب الهادرة إلى السطح
وبالرغم من انه لا يوجد تشبيه يصف صراحة ممارسة الحب مع المرأة
فالأقرب هو كالعزف على آلة موسيقية نادرة
وأتساءل
هل يشعر كمان ستراديفاريوس
بالشجن الذي يشعر به عازفه
عندما يعزف لحنا وحيدا كاملا من أعماق قلبه ؟

من فيلم دون جوان
جوني ديب - مارلون براندو
انتاج عام 1995

Thursday, September 24, 2009

هكذا تقول الأسطورة

تقول الأسطورة التي أعرفها
أن الرجال كائنات جاءت من كوكب بعيد مظلم وبارد ..
وأنهم في تلك الرحلة وحتى يتمكنوا من النجاة والوصول للأرض – كوكب النساء بالضرورة – ارتكبوا مذابح وافعال شريرة كثيرة .
ولأنهم جاءوا محملين بالخزي والعار قتلوا مفكريهم وحملة التاريخ وابقوا على أكثرهم عدوانية وقسوة ..
من نسل هؤلاء الأوائل جاء الرجال الذين نتعامل معهم اليوم، في أحيان كثيرة تغافل أحدهم ذكرى قاسية لبعض ما رأي اسلافه في رحلة الهبوط للأرض
للتخلص من وطأة الهلاوس والجنون التي تحيط بعقولهم طوال الوقت
قرروا اختراع تاريخ جديد وحقبات طويلة وأطلقوا عليها كلها – حلقات استعباد النساء-
وحتى لا أؤسس هنا أيضا لخطاب نسوي ، وأبدو كمخبولة ترتدي جلباب مقلم بالطول مفتوح من عند الركبة لنهايته ومغوي بأفعال شريرة اخرى وبدلا من وقوفي أقذف الطوب على الذاهبين والمارين – وهو أكثر الأفعال المحببة لنفسي على الأطلاق- فقط لو سمحت لي الظروف
بدلا من ذلك كله .
قررت أن أعود للجلوس على المكتب والطرقعه على لوحة المفاتيح وارتداء النظاره الطبية والتساؤل بشكل عقلاني
ما الذي كانت تؤسس له دراما رمضان هذا العام
يراود " يحيي الفخراني" اكثر من اربع نساء عن انفسهم ويقعن جميعا في حباله ويوافقن على الارتباط به / يتزوج نور الشريف في الرحايا من شابه صغيرة وهو اصلا متزوج سيدتين او ثلاثه في نفس المسلسل
وتقبل احدى صديقاتي ان تتقاسم مع اخرى رجل تحبه على ان تتفق معه أن تتزوجه – بارت تايم- وتقترح اخرى على حبيبها الذي يرفض الزواج منها أن تتزوجه عام واحد وتنجب منه طفل يشبهه ثم تقبل أن يغادر بلا اي ضغائن .

ما الذي تحاول أن تقوله كل هذه النماذج
اجل تماما
الرجال مخلوقات شريرة قاسية فقدت قلوبها وعيونها في رحلة المجئ للأرض
القهر الذي تمارسه الوحدة ، والخوف من الغد الذي يغزو قلوب النساء
هو فعل ذكوري قهري تنهار تحت وطأته النساء

الحب ذلك الفعل الأسطوري الوحيد الذي تاه في رحلته من كوكبه البعيد لهذه الأرض التي صارت مشوشة كالنساء
قاسية كالكائنات الخرافية التي يطلق عليها مؤرخي الحضارات – رجال-

Monday, September 14, 2009

في مديح الجبنة بالقوطة والرجال ومدينة الملائكة ...

...

يورطني التفكير والتأمل فيما يحدث داخلي وحولي في حالة كابوسية أدور داخلها منذ فترة ...
تضيق خناقها حولي تغرس أنيابها في رقبتي على هيئة خربشات حادة
ألاحظها في الصباح وأنا ادير حوار عدمي معي في المرآه
حول مراجعة تفاصيل الأحلام المزدحمة بها ليلتي – كالعادة –
اليوم أجلس على طرف الفراش احاول أن استرجع تفاصيل الحلم الأخير
كنت قبل النوم افكر في التخلص من الأسماك المحتجزة في دورقي ...
ولذلك اسباب متعلقه بكسل شديد بشأن الاعتناء بها وتنظيف الدورق
وتغيير الماء ووضع الطعام
توقفت عن فعل ذلك منذ يومين وانبني ضميري جدا
وقررت ان اقتلهم في الصباح لاني سئمت من الاعتناء بهم ،
ذلك لا يتضمن وضع السكر بدل الملح في أواني الطهي
واحراق الملابس أثناء تظاهري بكيها لأبي واخوتي
ولم يتضمن ايضا التوقف عن المكالمات العائلية
والسؤال عن خالتي وعمي وأطفال العائلة وصديقاتي ،
والتودد للجيران وزملاء العمل
لم يتضمن الرغبة في فصل جهاز التليفزيون عن الكهرباء والقاءه من الشباك
وانا الوح له بيد وبيدي الاخرى منديل ابيض يشبه منديل أسمهان وهي تلوح ليوسف وهبي في أحد الافلام
وذلك للتخلص من فكرة الضغط على ازرار الريموت طوال اليوم دون التركيز على شئ .
كل ذلك كنت افكر فيه في فجر تلك الليلة
الحلم كان مجسما سمعت فيه صوت بلوب بلوب –
بينما كانت عيني مغمضة كنت اعرف ما يحدث في الحجرة قفزت سمكة او اثنين من الدورق
ووصلت للفراش الذي انام فوقه
في الحلم الذي بدى ملتبسا بين لحظة الوعي والغياب تكلمت السمكة لم تتحدث
وانما اصدرت صوتا شبيها بالصفير
ربما كانت تحاول ان تنبهني انها في مهمة انتحارية لأنها وعدت باقي الرفاق في الدورق
ان تعود بوعد مني لأنظف الدورق لهم واضع حبات الطعام
في الحلم ايضا نهضت من الفراش واسرعت بتغيير الماء
ووضع حبوب الكلور وحاولت ان انقذ السمكة التي تشبه الكرة
لا أذكر ماذا حدث بعد ذلك لأني نمت بدرجة اعمق من مهاترات هذا الحلم
في الصباح كنت احدق في الدورق فأجد كل شئ كما هو
السمك يعوم برتابة الدورق متسخ حبات الطعام شحيحة ، رغبتي في مساعدتهم لا تزل فاترة .

ابتسم لأني أدعم الآن رأي رجل أحببته يوما ولم تنجح علاقتنا لأسباب إيديولوجية
متعلقة بخوفي من الاشياء كالملاءات البيضاء في الظلام التي أشعر انها تنهض من مكانها
وتلعب معي لعبة الشبح كاسبر وبعض الكائنات الحية وتصوري للأرنب كدمية في كتب الحواديت -
بعض تلك السخافات التي تلخص شيئا من شخصيتي ورؤيتي للعالم ...
أصدقه تماما الآن بأني مزاجية حد الجنون ولا يمكنني الاعتناء بسمك الزينة
ولا إنجاز أعمال البيت التي تقوم بها اي امرأه تعدت العشر سنوات
دون ان يمدحني الجميع طوال اليوم لأن توقف الثناء معناه فتور رغبتي في اداء واجباتي .
الديفو المشين في علاقتي مع الحياة ... أني أنجز فقط ما ارغب في فعله
وما احب أن افعله وفي اللحظات التي اقررها انا
هكذا تبدو الحياة محتملة

تتسع ابتسامتي لأني اتذكر رأي صديقات عزيزات فشلت علاقتي بهن لاسباب ايديولوجية ايضا
تتعلق بالتغيرات السيكولوجية التي حدثت لي ،
تتعلق بالخطوط البيضاء التي سرحت في شعري وكادت ان تنال من روحي
صديقاتي يؤكدن طوال الوقت أني مدللة كسمكة زينة ويسهل التأثير عليّ كإسفنجة ضعيفة
واني طوال الوقت احتاج لمن يعتني بي وذلك إحساس بدا لي بغيضا ثقيلا رغبت بقوة في التملص منه
تتسع ابتسامتي أكثر لأني اتذكر الآن كل الملاحظات التي تلقيتها عني وعن شخصيتي وحياتي
والتي تفوق بكثير كل ما انجزت وكل الخطوات التي قمت بها
العالم يتحول لعبارات رنانة وجلسات ثرثرة
ووحدة وجدران عازلة وأحلام بغيضة .. وأطباق جبنة قريش دومتي بالقوطة
جبنة قريش دومتي لأني لا استطيع أكل الجبن القريش إلا معلبا لأسباب ايديولوجية ايضا
لها علاقة بشكل قوالب الجبن في أطباق الفلاحات في السوق .

عندما أسكن مدينة الملائكة ليست تلك التي قد اقابل فيها ميج رايان ونيكولاس كيدج
وانما الأخرى التي بها رجل يكتب لي طوال الوقت ملاحظات بشان ادائي مع العالم
وصديقات يرتقن كل ثقوب أخطائى وهفواتي
ورجال يرمقون حريتي بنوع من الزهو باعتبارهم مانحين ،
مدينة ملائكة غارقة في الجنون وميكرفونات تطالبنا طوال الوقت بالتبرع
وفساد وبغض وعبث وتأمر على الضحك والبراح والحياة
عندما اسكن تلك المدينة يجب عليّ أن أمدحها بكل طاقتي
وأصعد فوق تلك السحابة التي تخصني وأقرر الفرار .

Saturday, September 12, 2009

ممر أحلام


سمكة برتقالية مصابة بالبواسير تلهو طوال اليوم في الدورق الموضوع أمامي
جوار الزهرية السوداء المرصوص داخلها فرعي زنبق وعشر وردات وردية اللون
الألوان المبعثرة على ارضية الحجرة جوار كراسة التلوين
الكتب الكثيرة المفتوحة والمقلوبة على وجهها
أو موضوع في صفحاتها أقلامي الرصاص وأوراقي المطوية بعناية كعلامات
الملاحظات التي أدونها طوال اليوم في كراستي حتى لا انسى شئ
الملاحظات التي على شاكله توابل ومشابك خشب ، ربع بن محوج، البنطلون الازرق للترزي ،
الاتصال بفيروز وسالي ، الإنتهاء من كتابة مقدمة الموضوع الجديد ... كارت موبايل –
الابتسام في وجه أم عاشور أثناء مرورك امامها
الطريقة التي اتكوم بها على بعضي ويتكوم بها العالم فوقي ...
القمرة العالية التي تطل من نافذة رسمتها سحر عبد الله في حدوتة تخطها ببراعه
القمرة التي تشاغلني وترمي ضلا شاحبا على وجهي المتعب بفعل المرض
وحبات الدواء والحقن وتأكيد الطبيب أن الزم الفراش
الفراش الذي هربت منه وتجولت في الشوارع التي احبها رغم الحر والشمس والصيام والمضادات الحيوية
تجولت حتى شعرت بالتحرر من وطأة الكون الثقيل على قلبي وكاهلي
مشيت حتى امطرت عيني دموعا وأنجبت السماء مطرا
ومدت لي طريقا للقمرة التي ملئت من عينها كوبا من السعادة الزرقاء الشاحبة مثلي .
حقائب الرحيل المتكومة في ممر احلامي
يحشو فيها كل من أعرف اللحظات والذكريات والحب والجنون والخلافات والصراخ ويغادرون
حقيبتي مفتوحة بلا نظام تطل أشيائي خارجها ولا تنوي المغادرة
انسحب وحقيبتي من الطابور ، نرمق كل من هناك بنظرة محايدة
ونعود للداخل حيث السمكة المصابة بالبواسير واعواد الزنبق والوردات .

Tuesday, September 08, 2009

حلوى المكنتوش


تشتبك ضحكتي بابتسامته فيتوقف الزمن من حولنا
، يعالج الحزن ويطرد الشجن من قلبي حتى وهو منهك مشغول خافت الطاقة
تشتبك ابتسامتنا مرة اخرى وصمتنا وأفكارنا المتداخلة بشأن الملل والأرق
فأحبه من جديد
في صفحة بيضاء أكتب فوقها بحبر سري
تشتبك عيوننا أفلت سؤالي " كيف تفعل بي ذلك؟ "
ثم أشطب بي ليبدو السؤال غامضا – هكذا لن يفهمني ، ولن يعرف كيف يؤثر فيّ وجوده !
أسأله من جديد – كيف تفعل ذلك !-
كعادته يكتفي بالفعل ولا يجيب / كعادته يورطني في سماءه ويضع في يدي نجوما بنفسجيه، ويمضي أمامي ويتركني خلفه ألهث في محاولة للحاق به حتى لا أتوه في هذا العالم المرسوم بالحبر السري .
على عتبة الممر المظلم أخبره أني أرهب المشي هنا
ولا اخبره أن الخوف لا يمس قلبي طالما هو هنا
داخل الممر المظلم ألمح عيون الكائنات الفضية ... ألمح مسوخ الكوابيس ...
وأرى كل لحظات فزعي وأنا أمر هناك وحدي
وابدل كل ذلك بنجوم بنفسجية اطبق أناملي عليها وأنثرها هناك لتضئ لي كل ما هو قادم .

عندما يكون هنا أبدو كبلهاء – احدق في نجوم السماء ، وابتسم للفراغ
واكتفي من العالم ، ابتسم ابتسامة مسالمة مطلقة هانئة
لا يشغلني غير وحدتي المزدحمة به
لا يشغلني سوى حضوره وطعمه
كيف لم اخبره من قبل انه صندوق حلوى المكنتوش الخاص بي
- لحلوى المكنتوش في ذاكرتي طعم كل ما يثيره حضوره
- أول نوع شيكولاته اعرفه عندما كنت طفلة – علبة المكنتوش كانت هدايا ابي الأولى لي كطفلة مهذبة لا تضايق امها ،كان يشتري لي ما يكفي ويفيض لاوزعه على اطفال الجيران في بيتنا في ذلك البلد العربي
أطفال الجيران العشرة الذي لا يعرف والدهم اسماءهم ويتركهم طوال اليوم يلعبون أمام البيت فيما اجلس أنا خلف شباك بيتنا وحدي امرر لهم قطع الحلوى وأتفرج على لهوهم
حلوى المكنتوش الملفوفه مثله بكل الألوان المبهجة والتي تكفي الآن ان المس طرف أحداها بلساني حتى أرى قوس قزح وأتحسس طريقي في عالمي البكر اللطيف ،
حلوى المكنتوش التي تحبها صديقاتي وتخبئ كل منهن لها ألفا من الذكريات والحكايات ...
شيكولاته المكنتوش بالحليب والكريمة والمكسرات والتوفي وجوز الهند وكريمة البرتقال والفراولة
أنت كل قطع الحلوى التي تحمل في عمري مذاق السعادة والفرحة وأمان طفلة لم تنه أعوامها الثلاث الأولى وتشاهد العالم واطفال الجيران عبر شرفة بيتها وتنتظر ابيها .
أنت كل قطع الحلوى وكل أطفال العالم
وانا هنا في شرفتي أنتظر وميضك البنفسجي في السماء
التي أعرف طريقها بنجوم أعطيتها لي واطبق عليها أناملي.

Saturday, September 05, 2009

اعتصام

لعبة الكسل من الألعاب التي أحبها كثيرا
الإستلقاء على الرصيف في الشارع والتحديق في النجوم الإفتراضية
التي تحولت لإفتراضية بسبب صعوبة رؤية السماء من موقعي هناك على أرصفة الشوارع المزدحمة بالبشر والعربات والبيوت وانوار عواميد الكهرباء .

الإستلقاء على ضهري ووضع يداي اسفل راسي ، والتحديق في سقف حجرتي المرسوم بنقوش أحفظها منذ طفولتي
أعرف الآن اني قضيت وقتا أطول من الازم داخل تلك الحجرة
قضيت اوقاتا طويلة في المذاكرة والنوم على الكتب أيام الثانوية العامة ، أوقاتا اخرى وانا معتصمة داخل الحجرة
كنت اعتصم هناك بالأيام لتحقيق رغبات اراها الآن تافهة – كالذهاب لحفل نهاية العام في مدرستي ، أو الخروج مع زميلة لي
طلبات تشبه تلك تواجه كلها بالرفض لأني تربيت – تربية قديمة – من تلك التي تنتج أطفال مرضى نفسيين أو كتّاب

اعتصمت هناك 4 أيام كاملة رفضت خلالها الكلام ... ورفضت أطباق الطعام التي ادخلتها لي خالتي رحمها الله – لأعلن أني لن آكل حتى يتفاوض أحد معي بشأن حصولي على اكلسير للكتب
كنت وقتها في الصف الثاني الإعدادي وتوقفت فتيات الصف كله عن حمل حقيبة المدرسة ... وحدي من كنت احمل الحقيبة
حجة امي وقتها ان حقيبة المدرسة مظهرها أكثر وقارا / وحجتي ان كل زميلاتي بالفصل حصلن على اكلسير للكتب .
اعتصمت في الحجرة وصممت امي على رايها وكدت انا
أن أموت من القهر والملل
كل يوم أذهب للمدرسة في طريقه العودة اتفرج على اكلسير احمر يعجبني كثيرا وسط مئات الاشكال الأخرى / أدخل حجرتي أراجع دروسي ... أرفض الطعام
لا اتحدث مع أحد
أطفئ نور الحجرة واحدق في الظلام
في اليوم الخامس فتحت عيني من النوم ووجدت الاكلسير الأحمر الذي يستوقفني كل يوم للفرجة عليه
فركت عيني وتساءلت هل اريده بهذه القوة لدرجة اني احلم به وانا افتح عيني
نهضت من الفراش واضأت نور الحجرة لكنه لم يختفي
كان هناك
لمسته وفتحته وعرفت ان أحدهم احضره
يحدث كثيرا أن يشتري لي أبي شئ يعجبني دون ان اخبره
يشتري لي تماما ما كنت اريده ... ويحدث طوال الوقت ان اختلف مع أمي وهي على حق
لم يناسبني الاكلسير ولم استطع حمله ولم يكفي كل الكتب التي كان عليّ انا اخدها كل يوم ... ولم اعرف ان امشي وانا احمله
ولم أجد شجاعه كافية وقتها للإعتذار لأمي

كنت اخطئ كثيرا في حقها ولم تجئ لي ابدا فرصة للإعتذار
كنت ابنة متعبة ومرهقه ، وكانت هي اما متعبة ومرهقة
كنت اشبها لحد التنافر – كنت افهمها من نظرة عينيها
وكانت تفهمني من وجهي
لم استطع ابدا ان اكذب عليها ، هكذا كانت تقول لي وهي تضحك
أن النسخ الجينية لا يمكنها أن تكذب على بعضها

كنت اتحدث عن الكسل لكن الحنين لحماقات المراهقة هو ما انتصر
الغضب والاعتصام في الحجرة اصبح نوعا من الرفاهية
ليس فقط لأن امي ماتت ولأن أبي يدللني كما لا يفعل اب في هذا العالم
ولا حتى لأني كبرت وصرت حرة وناضجة يمكنني أن اتلهى بكسر قلبي ومتابعة اخطائي دون لوم من أحد
ولكن لأن ما ينتظرني دوما خلف باب حجرتي أقوى من رغبتي في التعطل والاستلقاء داخلها احدق في السقف الذي احفظه جيدا
هناك في الخارج
العمل والناس والحكايات والاصدقاء والحنين
هناك المكتب الذي اعتز به والمقهى الذي احبه والمطبخ الذي اصنع فيه ومنه الاف الحكايات ... وإناس أعرف انهم ينتظرون مني المؤازرة والتفاوض لفك اعتصامتهم لأسباب سيعرفون بعد سنوات انها خائبة ولا تستحق
هناك تعاويذ احرص على صنعها وجنون احاول ان اعالجه، وحياة اعرف انها لا تنتظر أبدا من يعتصم بالصمت وينتظر التفاوض مع عالم يستيقظ كل يوم لينتهي مهامه بكل قسوة وتصميم.

Thursday, September 03, 2009

أسمي أحمر

الطريقة التي يعيش بها الكاتب تفوت عليه على الأقل
الإنغماس في نصف ما هو حقيقي في هذا العالم ...
التشويش الذي تقدمه لنا الكتابة والشخصيات غير الحقيقية
التي تسرح معنا في الشوارع طوال الوقت ... الأوهام والاحلام اللذيذة ... قسوة الارق والعجز
وربما بعض الوحدة أو الكثير من الحزن ، العالم المتخيل الرائع الذي يفوق ما يعرفه باقي البشر .
العالم المتخيل يضمن لنا قدرا لا بأس به من البهجة ...
يذكرني الامر طوال الوقت بقصة مصنع الشيكولاته التي يغيب الاطفال داخله في رحلة سحرية
للحصول على جائزة في نهاية الرحلة – في الفيلم – والحصول على سر ما في نهاية الحياة بالنسبة للكاتب .

ما الذي أريده من الكتابة ... سؤال سئ وفاشل
الحقيقة هي ما الذي تريده الكتابة منا ...
ما الذي تتركه الكتب في نفوسنا المرهقة لتزيد داخلنا الأسرار ورهبة المجهول
والمزيد من أكواب الماء المالح حيث لا سبيل للإرتواء .

منذ أيام كنا في حفل قراءات شعرية لدواوين صديقي الشاعر محمد أبو زيد
كنا في مكتبة " أفاق" انتهت مراسم توقيع الكتب وقراءة محمد لبعض أشعاره
ساد داخلي صمت طفيف نظرت حولي
وكان كل ما هناك... كتب وكتّاب
نظر لي صديق وقال تعرفين كيف هي الجنة – قلت وكأني قرات فكرته
- مكتبة – ابتسم وصمت

الجنة بالنسبة لطفلة قريبتي هي زحليقة كبيرة يمكنها أن تنال فيها أكبر قدر من المتعة ...
والجنة التي أعرفها " مكتبة – بها كل إصدارات دار المدى وورد ومكتبة نوبل
ولأنها جنة سيبقى هناك جوار كل مجموعة كاملة صاحبها
سيمكننا ان نتجول ونقابل ساراماجو ونتحدث عن روايته " العمى "
وسيخبره صديقي المترجم أحمد عبد اللطيف عن كل ما كتبه عنه ،
وسيشي له عن ارائي السابقة عنه قبل ولوجي لعالمه الصعب القاسي .
لأنها جنة سأتمكن من مقابله إيزابيل الليندي كلما شئت / ساتردد عليها اكثر من مرة في اليوم الواحد ساجلس جوارها على الأرض وسنهمس بكل الأسرار
سيمكنني الحصول على نسخة من كل الكتب التي أحبها – ستجئ لي نفس النسخ التي قرأتها فيها أول مرة حتى لو لم تكن ملكي وانما استعرتها من صديق واضطررت على مضض أن اردها له .

سنجتمع ذات التجمعات العقيمة المشوشة
كالمجانين سنتقاتل لأجل اراءنا عن – ماركيز ومارجريت اتود وكافكا وفوكو- سنتحدث عن تجسيد كونديرا للفراغ الثقيل ، ولن نخجل ان نصارح اورهان باموق انه كاتب مش جامد اوي وإن كان يرى ان روايته – اسمي احمر- تستحق الزهو فهي كذلك – واني لم أتوقف عن سبه لحظة واحدة طوال الستمائة صفحة ماذا كنت افعل كنت أقرا دون قدرة على التملص من الرواية ومع ذلك احمل لها كل البغض والانزعاج – لن اخجل ان اخبره اني أحب أنطونيو جالا اكثر منه بكثير .

ربما سأقف أمام خوان مياس واخبره بمراهقتي المتأخره معه ومع ما يكتب ساطلب منه توقيعا على كتبه المترجمة ولا انسى أن اتذمر من سلسلة الجوائز لأنها اعادت ترجمه رواية مترجمة له من قبل وتركت اكثر من عشر روايات اخرى سأجن حتى أقرأها
ربما يجلس جواري وقتها ويقرأ لي بلغة مشتركة ...

في الجنة الكثير من القهوة ومحمود نادل سوق الحميدية وعم صالح الذي يحبه أصدقائي ...
في الجنة لن نجد اي ناشر لأنه يكذبون كثيرا بشان مواعيد صدور الكتب
ستصدر الكتب تلقائيا كولادة الحوريات
سينتهي دور طه عبد المعنم نهائيا لأننا لن نحتاج للإعلان عن مواعيد الندوات وصدور الكتب الجديدة .

في الحقيقة نحن نعيش جنة خاصة بنا هنا على الأرض توارب لنا الكتابة ابوابها طوال الوقت .. نستمتع ونقرأ ونتجادل ونلعن أذواق بعضنا الرديئة
نمارس فعل الحب مع العالم والبشر بنصف ايمان ونصف تركيز
نعيش العالم السري الآخر مع شخصيات الحكايات ، مع الأحلام التي تنادينا كنداهة الساقية ... مع المزيج الكريه من الرغبة في التميز والاختلاف والبغض والحب
، نعيش هناك في مصنع الشيكولاته حيث ننتظر التذكرة الرابحة التي تعدنا بسر لم يصله له أحد . ونعدها نحن بأرواحنا دون ان ندري .

 

كراكيب نهى محمود © 2008. Design By: SkinCorner