Sunday, March 24, 2013

حفرة أليس



-->
يخيل لي الآن أن العمر طبقات رقيقة  من العجين مرصوصة فوق بعضها لتصنع في وقت لاحق رقائق متداخلة من الفطائر أو السمبوسك .
بالخبل ذاته الذي أرى به الطبقة الرفيعه من العجينة وهي تنضج وتخرج عن حيز الإناء ، أشعر بذكريات العمر وهي تفيض عن القلب ، تغرق جوانبه مثل ما يعلق من الشمعه المحترقة على الجوانب لينجو ذلك الضوء الخافت الذي يكفي لنا حتى لا نتعثر ونموت من الوحدة والخوف .
العمر وذكرياته وما يمتلأ به القلب من البشر والحكايات والحب والأحزان .
بهذه الأشياء نصنع تاريخا ونرحل وقد تركنا بعض الآثار على الرمال قبل ان تقوم عاصفة زمنية جديدة وتمحو كل الرمال ويجئ بشر أخرون ينقشون من جديد . 
عندما أسند رأسي للخلف بالطريقة ذاتها التي أفضلها ،لحظة كتلك انفصل بها عن الموجود والواقع  ..
أنفصل قليلا لأعود ..
في لحظات الغياب تلك أعدد السنوات ولحظات العمر ، واسمح للخصلات البيضاء التي سرحت بلا خجل على مقدمة شعري أن تغزوه في سلام .. أخبرها أن تجئ وتبقى وابتسم لها في المرآه لأنها تذكرني بما اكتسبته من الحياة ، بما وخزتني هي به .. وبما منحته لي وما سرقته مني وتركت  انا معه جزء من روحي وقطعه كبيرة من قلبي .
أتذكر أن تمارين الفقد ، لا تعني بالضرورة التعود على النسيان ، وأن مصادقة الحزن لا يعني أبدا اننا لم نزل ضعاف امام ضرباته .

انا التي تعدد طبقات العجين وهي تحشوها بوصفاتها التي تسرسب القلق على الكتابة  ، والخوف من الغد ، والاحلام التي تعدها للقادم من بعيد .
انا تلك استيقظت هذا الصباح وقد هاجمها كل الحنين ،لا شئ يشبه ألم يوم عيد الأم كل عام .. لا شئ يسد ثقب روحها الذي ينزف بلا توقف .
هذا العام تجيئها مكالمة من ابيها وصديقها القريب يخبرها كل منهما بلا اتفاق أنها مثل أم صغيره – وأن العالم أحلى بها – وهي تصدق ذلك لأن شيئا في داخلها ينتعش بالمحبة ، يزدهر مثل حبه نبات الحلبة المزروعه في قطنة ، لم ترى ازدهار نبت حقيقي ، ابنة المدينة الساذجة لا تعرف عن النبت غير ذلك النبات البائس من الحلبة والقطنة في علبه بلاستيكية .
لكن ذلك النبت يكفي قلبها ليخضر من جديد بلا وجع .

بالأمس قرأت مقال لكاتبة تحب كتابتها ، وتحبها بشكل شخصي رغم انهما لم يلتقا سوى مرة أو مرتين .. لكن ثمة خيط ممتد بينهما .
كانت ياسمين تنعي مدونتها ، تخبر في مقال غاية في العذوبة أن الموقع قرر إغلاق المدونة ، أفسد هذا الخبر مزاجي تماما ، ملئني بالخوف .. ماذا لو حدث ذلك ايضا مع كراكيب
في الصباح امرر عيني على مدونتي وابتسم لكل تدوينة ، واخبرها اني اتذكر كل شئ ..
أني اذكر كل كلمة وكل حكاية وراء الحكاية .

سحبني ذلك لهناك .. للفتاة التي كنتها وهي تخطو هنا في أرض الأحلام لأول مرة ، بالرعب والفضول نفسه الذي كان لدى أليس وأرنبها وهما يقفزان في الحفرة .
أذكر صداقاتي الأولى في الوسط الادبي ، والطريقة التي تعرفت بيها على أصدقائي والكتب التي بهرتني والبشر الذين بدوا لي وقتها مثل رجال الكوتشينة الذين يعملون لدى الملكة الشريرة ، الرجال الذين يصبغون الورود البيضاء باللون الأحمر لأن الملكة قالت ذلك .. قابلت ورودا مصبوغة ، وقابلت زهورا نادرة احتفظ في قلبي بعبيرها وبعض الخدشات من الشوك لازالت تترك اثرا في يدي .
أتذكر الصديقات ، ولقطات المرح الكثيرة ، والحزن وفناجين القهوة وقطع الشيكولاته ، وحفلات التوقيع ، وكل من قابلت وكل ما تمنيت أن اصادفه أتذكر كل شئ ، واتمتم لنفسي بأني فتاة محظوظة دخلت بلاد العجائب وخرجت بالألوان والألعاب والفوضى والمحبة ومفتاح المدينة السحرية ، حيث يمكنني طوال الوقت وكلما شئت ان اعود لهناك أسند رأسي للخلف قليلا وأدخل حيث انتمي وأحب .


 

كراكيب نهى محمود © 2008. Design By: SkinCorner