-->
يخيل لي الآن أن العمر طبقات رقيقة من العجين مرصوصة فوق بعضها لتصنع في وقت لاحق
رقائق متداخلة من الفطائر أو السمبوسك .
بالخبل ذاته الذي أرى به الطبقة الرفيعه من
العجينة وهي تنضج وتخرج عن حيز الإناء ، أشعر بذكريات العمر وهي تفيض عن القلب ،
تغرق جوانبه مثل ما يعلق من الشمعه المحترقة على الجوانب لينجو ذلك الضوء الخافت
الذي يكفي لنا حتى لا نتعثر ونموت من الوحدة والخوف .
العمر وذكرياته وما يمتلأ به القلب من البشر
والحكايات والحب والأحزان .
بهذه الأشياء نصنع تاريخا ونرحل وقد تركنا بعض
الآثار على الرمال قبل ان تقوم عاصفة زمنية جديدة وتمحو كل الرمال ويجئ بشر أخرون
ينقشون من جديد .
عندما أسند رأسي للخلف بالطريقة ذاتها التي أفضلها
،لحظة كتلك انفصل بها عن الموجود والواقع
..
أنفصل قليلا لأعود ..
في لحظات الغياب تلك أعدد السنوات ولحظات العمر ،
واسمح للخصلات البيضاء التي سرحت بلا خجل على مقدمة شعري أن تغزوه في سلام ..
أخبرها أن تجئ وتبقى وابتسم لها في المرآه لأنها تذكرني بما اكتسبته من الحياة ،
بما وخزتني هي به .. وبما منحته لي وما سرقته مني وتركت انا معه جزء من روحي وقطعه كبيرة من قلبي .
أتذكر أن تمارين الفقد ، لا تعني بالضرورة التعود
على النسيان ، وأن مصادقة الحزن لا يعني أبدا اننا لم نزل ضعاف امام ضرباته .
انا التي تعدد طبقات العجين وهي تحشوها بوصفاتها
التي تسرسب القلق على الكتابة ، والخوف من
الغد ، والاحلام التي تعدها للقادم من بعيد .
انا تلك استيقظت هذا الصباح وقد هاجمها كل الحنين
،لا شئ يشبه ألم يوم عيد الأم كل عام .. لا شئ يسد ثقب روحها الذي ينزف بلا توقف .
هذا العام تجيئها مكالمة من ابيها وصديقها القريب
يخبرها كل منهما بلا اتفاق أنها مثل أم صغيره – وأن العالم أحلى بها – وهي تصدق
ذلك لأن شيئا في داخلها ينتعش بالمحبة ، يزدهر مثل حبه نبات الحلبة المزروعه في
قطنة ، لم ترى ازدهار نبت حقيقي ، ابنة المدينة الساذجة لا تعرف عن النبت غير ذلك
النبات البائس من الحلبة والقطنة في علبه بلاستيكية .
لكن ذلك النبت يكفي قلبها ليخضر من جديد بلا وجع .
بالأمس قرأت مقال لكاتبة تحب كتابتها ، وتحبها
بشكل شخصي رغم انهما لم يلتقا سوى مرة أو مرتين .. لكن ثمة خيط ممتد بينهما .
كانت ياسمين تنعي مدونتها ، تخبر في مقال غاية في
العذوبة أن الموقع قرر إغلاق المدونة ، أفسد هذا الخبر مزاجي تماما ، ملئني بالخوف
.. ماذا لو حدث ذلك ايضا مع كراكيب
في الصباح امرر عيني على مدونتي وابتسم لكل تدوينة
، واخبرها اني اتذكر كل شئ ..
أني اذكر كل كلمة وكل حكاية وراء الحكاية .
سحبني ذلك لهناك .. للفتاة التي كنتها وهي تخطو
هنا في أرض الأحلام لأول مرة ، بالرعب والفضول نفسه الذي كان لدى أليس وأرنبها
وهما يقفزان في الحفرة .
أذكر صداقاتي الأولى في الوسط الادبي ، والطريقة
التي تعرفت بيها على أصدقائي والكتب التي بهرتني والبشر الذين بدوا لي وقتها مثل
رجال الكوتشينة الذين يعملون لدى الملكة الشريرة ، الرجال الذين يصبغون الورود البيضاء
باللون الأحمر لأن الملكة قالت ذلك .. قابلت ورودا مصبوغة ، وقابلت زهورا نادرة
احتفظ في قلبي بعبيرها وبعض الخدشات من الشوك لازالت تترك اثرا في يدي .
أتذكر الصديقات ، ولقطات المرح الكثيرة ، والحزن
وفناجين القهوة وقطع الشيكولاته ، وحفلات التوقيع ، وكل من قابلت وكل ما تمنيت أن
اصادفه أتذكر كل شئ ، واتمتم لنفسي بأني فتاة محظوظة دخلت بلاد العجائب وخرجت
بالألوان والألعاب والفوضى والمحبة ومفتاح المدينة السحرية ، حيث يمكنني طوال
الوقت وكلما شئت ان اعود لهناك أسند رأسي للخلف قليلا وأدخل حيث انتمي وأحب .