Wednesday, February 23, 2011

فراشات يوم عادي




أجاهد للوصول لحالة من الهدوء النفسي ، والعادية ...
فعل كل ما كنت أحب فعله قبل أحداث 25 يناير دون أن تطول أذني كلمات عن الفساد والقبح الذي كشفت عنه الأيام الماضية لنكتشف أننا كنا نقع في يد عصابة الأربعين حرامي .
الجلوس أمام شاشة التليفزيون لمشاهدة الكرتون أو قناة فتافيت دون أن اشعر أن الكثير يفوتني لأن العالم العربي يتغير كل دقيقة ، وان خارطة الطغاة تنهار ، وتغطي بدماء الأبرياء .
كنت أرغب في ممارستي طقوس المشي في الشارع الهادئ الممتلئ بالشجر ، والجلوس على الرصيف ، ومطالعة ديوان شعر أو كتابة شئ يصلح لمدونتي دون أن يتورط في كل ما يحدث في العالم ، لأن جهازي العصبي لم يعد يحتمل المزيد من كل ذلك .
اليوم كنت مصممة جدا أن أنسى قليلا ديكتاتور ليبيا الذي ذبح شعبه وظهر كمهرج دون انف حمراء على شاشات العالم يركب توك توك ويمسك بشمسية ، قبل ان يخطب طوال ساعة وربع
فلا نعرف كيف بقى ذلك المخبول قائدا يتحكم في مصائر بشر طوال تلك السنوات
كنت أرغب في يوما جديدا بلا اخبار العادلي ورجال الأعمال غير الشرفاء ، يوم بلا خيبات وخلافات و نقاش حول من يصلح لماذا !
يوم لا ينتهي بسيرك برامج العاشرة مساءا وما يشبها في المحور ومصر النهاردة والكثير من الكلام والجدل والفوضى . يوم خارج كل ذلك وبعيدا عنه .. يوم يشبه الأشياء التي تفرحني بعاديتها وبساطتها وصدقها .
طوال الأيام الماضية كنت أخجل من شراء الورد ، وقطع الحلوى وارتداء فيونكات صغيرة أحبها ، كنت اخجل من ان اضبطني متلبسة بفعل الترويح عن النفس لأن الكثير من الدماء التي سالت الأيام الماضية تركت في الروح جرحا لا يمكن رتقه .
الشوارع قبل المظاهرات والدبابات والشعب السري الذي كان هنا في كل الشوارع التي أعرفها واحبها ترك فيها شيئا جديدا لم آلفه بعد رغم جماله .
اليوم كنت أبحث عن يوم عادي يمكنني أن اقتسم معه بعض الفرح والهدوء
يوم يبدأ بأغنية لعلي الحجار وهو يغني لي " تحبي نتكلم " أهز رأسي موافقة
فيخبرني عن عيون حبيبته التي يعشقها الليل "
أو اقف على قدم واحدة وانا اردد بيت الشعر العبقري الذي أحبه لصديقتي حنان شافعي ، البيت الذي يمس قلبي ويمدني بشئ غامض من النشوة
ولأجرب قدرتي على إخضاع الأشياء من حولي- أحبس دميتي في درج المكتب - أحرم قطتي من سماع الموسيقى - وأقف لساعات على قدم واحدة
يوم يسمح لي أن اعيد قراءة قصيدة" ربما لا يحدث هذا "في ديوان مديح الغابة لصديقي محمد أبو زيد
أقرأ القصيدة وأنقل منها سطور أحبها بقلم رصاص أحبه
سطور تتحدث لي ومعي
" امرأة كالأمطار الإستوائية
ستبكي عندما تقرأ هذه القصيدة
وتقول إنني مجنون
لا أستطيع أن أحصى أصابع قدميها
ولا النمش فوق وجهها
سأراها تعبر الشارع
إلى الأمريكين وحيدة
بحقيبة سوداء
وثلاثة جيوب مزركشة ومروحة كهربائية
لن أنظر اليها
ستسير عارية في ميدان التحرير
قبل أن يسحبوها إلى مستشفى المجانين
سأندندن بكلمات الأغنية وأقرأ القصيدة بصوت عال ، وأجلس على الرصيف في إنتظار رجل اشتقت لإطباق يده على أناملي ، لميل رأسي على كتفه ونحن نقف عند النهر نقص الحكايات ونضحك .
سأفعل كل ذلك و أمتلأ بأمل مطلق في الحياة التي تحمل لنا أحلاما جميلة على أجنحة فراشات ، و غد أحلى يسع البشر جميعا
.

Saturday, February 05, 2011

عن الأمل في عيون الولاد



كنت أعرف أني لا يمكنني الكتابة عما يحدث في مصر الآن .. أنا التي لم اشارك في مظاهرة أبدا ، ولا وقفت على سلم نقابتي لأحمل لافتة تطالب بأي شئ .
وكنت أرفض الإشتراك في اي جروب يناقش أي قضية سياسية ، ولا أكتب عن السياسة ، حتى عندما كنت أوقع على بيان مع المثقفين ضد سخافات النظام ، كنت اقضى ليلتي أفكر أني أرتكبت حماقة .
لم اصنف ذلك ابدا على أنه خوف ، لأنه في الحقيقة لم يكن كذلك كان يأس ، كان رهانا خاسرا على الحرية .. كنت ارى زميلة شريفة ومدعاة للفخر وهي تذهب للمظاهرات ضد النظام وتعود وقد طالتها عصا أو إهانة من الشرطة والأمن ، كنت ارى كم تتحدى وتراهن حتى على مستقبلها المهني فقط لتقول كلمتها .
كنت لا أفهم أبدا ما الذي يدفع صديق آخر للخروج من بيته البعيد جدا عن المطار والذهاب لإستقبال البردعي – حتى مع كل إختلافاتي حول البرادعي- كنت اتساءل لماذا يفعلون ذلك وليس هناك بارقة امل أن يحل الأوغاد عن جسد تلك السيدة التي أنهكوها من فرط بيعها مرارا وتكرارا بلا ملل في سوق الدعارة وتقاضي ثمنها بلا خجل .
مصر الحزينة التي آسرها طغاة لا يعرفون الرحمة ولا الله
بعد حادثة خالد سعيد تغير داخلي شئ ، لم أعد أستطيع أن ادعي أني لن اتورط حتى في الغضب من النظام ، بعد خالد كنت خائفة ومكسورة .. اذكر اني قابلت صديقة لي بعدها وجلست ابكي طيلة ساعتين في مقهى قريب من ميدان طلعت حرب ، وانا اخبرها أني حزينة وغاضبة وقليلة الحيلة مثل كل الشعب .

لكن غضبي لم يساعدني في الخروج لأي وقفة رتبها الشباب لأجل خالد سعيد – كنت خائفة من عصا الأمن ، من إهانة أعرف اني لن احتمل العيش معها .
عندما حدثت أحداث 25 يناير ، كنت في الشارع في اليوم التالي ، الشارع الذي بدى مرتبكا وكأنه علبة بازل أخرجها أحدهم ووضعها على الأرض .. غير منظمة لكنها ببعض الجهد تصنع صورة لها معنى .. كان العسكر في كل مكان يستعدون لمواجهات جديدة في اليوم التالي .
كان المارة جميعا يرفعون رأسهم أكثر من العادي ، على الوجوه ارتسمت ابتسامة أمل وفخر لم اراها طوال ثلاثين عاما هي عمري .
في الشارع كنت أقف احدق في رجال الشرطة بشماتة ، وأنا لا اعرف انهم بعد ساعات قليلة سيهربون من الشوارع .بعد جمعة الغضب التي شاهدتها على الفضائيات ، لأن التليفزيون المصري يحتاج لمن يبلغ عنه بوليس الأداب لممارسته الدعارة العلنية كما قالت صديقة لي في الأيام الماضية .
في اليوم التالي نزلت للشارع ، الشوارع نفسها الأرصفه والجدران ، والحرائق والدخان والشباب الذي نظم المرور ، الصلاة في ميدان التحرير .
كنت أتفرج ، كنت أتمسح في جدران هذه الشوارع التي تمضي بدمي .. أربت عليها ، في سيري قابلت عدد من المسيرات الصغيرة تستعد للذهاب لميدان التحرير في يوم جديد للمظاهرات .. شئ في دمي كان يتحرك كنت اريد المشي وسطهم لكني كنت مترددة . فوت أكثر من مظاهرة
عندما عدت لشارع رمسيس لأبحث عن طريقة اعود بها لبيتي البعيد أصطدمت بهم وجها لوجه يحملون لافتات ويهتفون ضد النظام ،في تلك اللحظة وبلا تفكير ألتحمت بهم ، كورت يدي وقلت معهم – الشعب يريد إسقاط النظام – يسقط حسني مبارك – تحيا مصر
الله أكبر – الشعب والجيش إيد واحدة
كنت ابكي ، شعرت بخجل شديد من بكائي لكني كنت ابكي كما لو كنت في ليلة وترية في العشر الأواخر من رمضان
كنت ابكي وانا لا اصدق ما يخرج من فمي واسمعه ، طعم الحرية التي ذقتها في تلك اللحظات كانت حرية تكفي لتفك قيد عمري كله وتفيض ،
كنت أبكي لأجلي ، لأجل الأمل في عيني وعيوننا جميعا .

مظاهرة السبت كانت آمنة تماما ، اختفت الشرطة ويحمينا الجيش ، عدت لبيتي قبل حظر التجول ، لم أكن مثل كل هؤلاء الابطال الذين ماتوا لأجلي ولأجلنا جميعا
لا يمكنني الآن التواطأ مع النظام وأقول لهم عودوا لأن مجلس مزور ورئيس غير شرعي ، وحكومة يدها ملوثة بدماءنا ستفي بعهدها وتحقق مطالبكم .
لا يمكنني أن أتدخل في نصر الابطال بخنوع جديد ، سأطالب الرئيس الذي يخاف علينا من الفوضى بالتنحي .
سأطالب الشعب الجميل ألا يفلت لمحة الأمل التي عرفت طريقها لوجوهنا جميعا في الأيام الماضية .
سأقولها الآن وكثيرا – الشعب يريد إسقاط النظام – تحيا مصر .
 

كراكيب نهى محمود © 2008. Design By: SkinCorner