Tuesday, November 18, 2014

مثل شتاء قديم




الفوضى المحببة التي تمتلأ بها روحي ، رائحة شتاء قديم ، وبرودة خافتة تسري من قلبي للعالم .. ملابس صغيرة مثل أحلامي يمتلأ بها المكان في إنتظار الوافدة الصغيرة ، يدي التي تتحسس أشيائها فيهاجمني شجن لا يحتمله قلبي .
الدموع التي تسيل أسهل لأن شيئا غامضا يعصر روحي ، ذلك المزيج بين الحزن والخوف والإنتظار وربما الكثير من الفرح الغارق في ألوان الشجن الكثيفة فلا يظهر منه  وسط الخليط إلا قطعا حمراء صغيرة تشبه حبات الفراولة التي تسافر في شلال من الحليب الأبيض ، الذي صار لونه وسيرته تسبب لي غثيانا ، لأن الكالسيوم الذي كان علىّ أن اتعرض له طوال الشهور الماضية قضى على علاقتي المحببة بالحليب لسنوات كثيرة قادمة .انا التي أزداد هشاشة ، فتتقضم  كلماتي على أعتاب الورق ، وينغرس صوتي في شوكة ضخمة معدة لتمشيط الأرض الخراب ، لكني استخدمتها مؤخرا لتقليب المكرونة الإسباجيتي في الإناء الكبير ، وتوزيعها على الصغار .انا التي أتكأ على المحبة وأمضي ، وأفكر انها ستحميني من الجنون عاما آخر .. وأن أثنان وثلاثون إبرة طبية محملة بالسائل الزيتي الأحمر كانت كافية للشهور الثلاثة الماضية لتخبرني أن طفلتي العنيدة المتشبثة ستكون ساحرة جديدة ، وستكرر كل ما كففت أنا عن الإيمان به .هي التي تحركت في أحشائي بفرح وزهو كما لم تفعل أبدا عندما سمعت صوت مدحت صالح يغني لها " ثلاث سلامات " وسط دهشتي لم أستطع أن أمنع نفسي من التجاوب معها والهمس لها " اصبري لما تسمعيها بصوت قنديل "هي التي عادت للحركة والنقر من الداخل بما يشبه نقرات الآلة الكاتبة التي أحبها ، وربما صوت لوحة مفاتيح ، وربما فقط بصوت انامها الصغيرة وهي تخربش في الداخل لتخبرني أنها سعيدة ، تفعل ذلك كلما مررت لها قطعة من الشيكولاته أو فصا من البرتقال  او قطعة من الجوافة – فاكهة النساء الأكثر جمالا- ..
الصغيرة التي تحب هذه الأشياء نقرت كثيرا بشكل ضبط ايقاع قلبي مع نقراتها عندما سمعت لاول مرة أغنية " عم بطاطا " لعلي الحجار .. بدأت الحركة مع الموسيقى وعندما قال " عم بطاطا ينط النطة يعبر سينا ويفتح عكا " كانت قد وصلت لقمة الاستمتاع .بقلب يرتجف ، وفم مفتوح من الدهشة كنت اراقب ما تفعله في الداخل ، وأخيرا استسلمت لانها ستحب الموسيقى وستتذوق الجمال .وربما سيكون لها قدرا يشبه هؤلاء الممسوسين بالمحبة ..بالفوضى المحببة التي تملأ روحي  ، وبشتاء قديم يشبه جدتي التي غابت ، وبقى منها في ذاكرتي صوت وشيش البخار في صباحات الشتاء البعيدة وصوتها العذب وهي تغني موالا شعبيا عن الحزن وحضن يشبه تماما حضن أمي الذي يتلقفني دائما ويخفيني من البرد في الشتاء ، ومن الحزن الذي لا ينتهي .بالفوضى المحببة التي تملا روحي ، وبشجن يمر من قلبي للعالم أتكأ على المحبة وأشياء الصغيرة التي تملأ المكان حولي وأمضي . 
 

كراكيب نهى محمود © 2008. Design By: SkinCorner