Tuesday, September 18, 2012

رجل الحكايات





رغم أن خبر إصابة ماركيز بالزهايمر قديم ، إلا أنني أكرر قراءته في كل مرة تقع في يدي جريدة ادبية أو موقع نشر الخبر ، أراقب نفسي وانا اقرأه بالتأثر ذاته ، وأجد الشفقة والبؤس كما هما في قلبي ...
ليلة أمس ضبطتني متلبسة أفكر في غياب ذاكرته مرة أخرى ، أفكر في مائة عام من العزلة ... والحب في زمن الكوليرا ، وكتابة البديع عن الكتابة والسيناريو ، أفكر حتى في كتاب القصص القصيرة المجمع الذي اهداه لي ذات مرة صديق يحرضني كثيرا على كتابة القصة القصيرة ، أخبره بخجل كل مرة اني لا أكتب القصة ، لا اعرف ، أنا عاجزة عن اداء هذه الرقصة الجريئة السريعه الحاسمة  .
أهداني الكتاب ليثير غيرتي ، ليمرر لي العالم الصغير .. هو يعرف ذائقتي ، يعرف أن مكتبتي كلها روايات .. كل ما عدا ذلك لا يعول عليه .
ليلة أمس فكرت في ماركيز ، رغم ألم اصابع قدمي التي أغلق عليها الباب بعنف ، وتورمت وأصبحت تشبه البطاطس في فيلم كرتون قديم إنتاج شركة ديزني ..
مشهد اصابعي حيرني ، كنت اريد التجول بوسط البلد.. أشتاق لها فجأة ، يقرصني الدم في عروقي ويميل نحوها ، فأمضي بها أتحدث بهمس للشوارع ، وأقول لها فاكرة ! وتقول لي أقولك!
نحكي عن تاريخنا السري والعلني .. عن البشر والحكايات والأحبة والأصدقاء .
عن الحزن الثقيل ، وخفة الفرح ، عن الكتابة التي تعذبني وتخاصمني ، وتفسد مزاجي ولا تجئ .

ليلة امس فكرت في ماركيز ، رغم خمس ساعات أحتجتها للنزول من بيتي والعودة اليه في طرق مزدحمة ومثيرة للغثيان والغضب .
فكرت في ماركيز ، رغم تعاستي الخاصة ومشاكلي ، ورغم الغم العام ، وإنهاء اعتصامات هيئة النقل وطلبة جامعة النيل وغيرها بالقوة ..
الأخبار المحزنة التي لا تخجل من المرور عبر رأسي .
ذاكرتي التي فقدت أسماء البشر ، تذكر الوجوه فقط والمواقف والحكايات لكنها تنسي الاسماء ، وتنسى كلمة السر لكارت الفيزا والبريد الإلكتروني فاحتاج عشر دقائق قبل ان اتذكر البنت التي تطالعني في المرآه كل صباح .
يؤلمني بشكل شخصي ذلك التيه الذي اصاب ذاكرة رجل الحكايات ، رغم فلسفة كل اصدقائي لتلك النهاية ، كل منهم  صنع فكرة تشبهه وتناسب حزنه ووحدي ظللت أقرا الخبر من جديد كلما صادفني ، ووحدي أمتلأ قلبي بنفس التأثر ورغبة باهته في الثرثرة والتذكر.


 

كراكيب نهى محمود © 2008. Design By: SkinCorner