Thursday, December 27, 2012

أبيض لون الفرح



أخطط للكتابة عن 
اخطط للكتابة ، ولا اعرف عما أكتب ..الحقيقة أني اسمع صوت لحن كتابتي في أذني معظم الوقت لكني لا امسك جملة موسيقية .
لا يحرضني كل ذلك الجنون والسياسة المقيتة على الغضب .
ربما أغضب لكن ذلك الشعور لم يكن محركا ابدا ، ولا دافعا للكتابة ..
الحب والحزن هما ألواني التي ارسم بها جدارية حياتي .. لاشئ  يمس شهوتي وشغفي للكتابة قدر الإحساس العميق بالفقد واللقا
بالحب وغيابه ..

لا تحرضني قطعة المشبك التي يخر منها العسل في يد موظفة الشهر العقاري التي جلسنا أمس ساعة ونصف ننتظر أن تفطر وتحلي بالمشبك هي وزملائها ثم يفردون سجادة الصلاة لصلاه الظهر بعد وقتها بساعتين .
لم يحرضني ذلك على الكتابة .
لكن وداع العام مشهدا مهيبا ، يكسر كسلي وتوتري . ويعزف لحن يخصني في الهواء
أنا التي اعتادت أن تفتح فيلم الساعات وتترك النساء الجميلات داخله بكل حالات اليأس والإنتحار والعبوس والحب والألم داخلهن ، اترك كل ذلك واعيد مشهد الممفتح مائة مرة .. صوت الماء يتحرك في النهر ..
صوت يجتاح المشهد والصورة ويقطعه صوت فيرجينا ولف وهي تكتب لزوجها خطاب إنتحارها .
أقف هناك واعيده مرة اخرى ، وفي المساء أجلس جوار محمد على الأريكة وأمسك بأناملي طرف أنامله في حنان طفولي وأطلب منه وانا منهكة ان يستمع معي لصوت الماء ثم الصمت .  

محمد الذي يبدو قاسما جديدا ومشتركا في كل احداث العام الأول لوجوده في حياتي .. لازلت استيقظ كل صباح فألمس خاتمه واشعر بحروف أسمه تمس جلدي فأنتبه انه حقيقي ..
العام الجديد ، ومحمد ، وايام تفصلني عن أن ارتدي فستان الزفاف كلها تجعلني أتشبث بالصمت . صوت دقات قلبي الذي يوقظني في ساعات متأخرة من الليل لأجلس على طرف الفراش وأتأمل العالم والحياة
فأكتشف أني مشوشة تماما .. سعيدة بخبل .. ومشوشة في حالة فوضى مثل الطرق في مصر بعد عشر دقائق امطار .

أفكر اني ارغب في الكتابة عن مشاعري ومخاوفي .. عن رجل احبه . وعن بوابة كبيرة ساعبر منها نحو الغد .. فلا اعرف ماذا اكتب ولا لم !

عقلي  يعرض لقطات بتقنية سينمائية يستخدم المونتاج والفوتو شوب .. لقطة من هنا ولقطة من هناك .. نهاية العام التي توصمها ذاكرتي بذكرى رحيل أمي السابعه .

احتفالات اعياد الميلاد .. والبرد الذي يعيد تجسيد الفقد والحزن في قلبي .. مشاهد كتبتها كثيرا وحزنت بسببها سنوات .
قاومت برغبة خالصة في الفرح ، وبقلوب تمنحني دفقات الحب بلا حساب .. لكن شيئا من كل ذلك لم يغير من الحياة التي تسكن ذاكرتي .

الموت الذي كان وسيبقى رفيقا للميلاد
استعدادات ذكري أمي التي تجئ قبل يومين من ميعادي للبروفة الأخيرة  لفستان زفافي .
في مشهد عبثي اسمعني أردد لنفسي إني ساذهب يوم الاثنين صباحا للمقابر وبعدها بيومين لتجربة الفستان.
كل تلك الفوضى تؤلم روحي وتملئها بالحيرة والحزن والفرح .
حنيني لبيت ابي ، وشوقي للبيت الجديد بيتي ..
وحدتي واوراقي ووسادتي .  وشغفي بمحمد ومحبته المفرطة
الدموع التي تسيل من عيني في كل مناسبات السعادة والحزن بذات القدر والحماسة
الغد الذي يحمل لي أحلام العمر ويمضي مثقلا بأوجاع القلب

الغد الذي أنتظره برهبة لم أجربها أبدا ، فأزيح كل ذلك جانبا وأترك لله تدبير الأمور ، وأضغط زر التشغيل لينساب صوت الماء قبل أن تقطعه فيرجينا وولف وهي تكتب لزوجها خطاب الإنتحار .

Friday, November 30, 2012

دائرة الرمادي



لا يذكرني صوت فيروز بأحد غير صديقتي البعيدة عني بمقدار سفر ساعتين بالطائرة . لم نسمع معا فيروز أبدا .. لكن صوت فيروز يذكرني بها .
ورائحة الشتاء تذكرني بالفقد – ما أفقده يذكرني دائما بما لديّ .

هدوء الحزن أفتقده كثيرا ... الحزن الصاخب يؤلمني ولا أحتمله ويكون لزاما عليّ أن انام نصف شهر كي أتخلص من ازيزه في رأسي .
الحزن الصامت يتعايش معي ، وأحتمله .  
لكنه ثقيل على قلبي .. تتجمع في رأسي حيل البهجة لكني لا أجد رغبة في شئ .. سوى التلوين .. أشتري خمسين لونا من الشمع والخشب وافتح كراسة تلوين جديدة .. كنت قد دسستها وسط شوار العروس الذي كنت أشتريه طيلة العام الماضي . الآن يمكنني أن اهدأ وأفتح الصناديق واخرج ما يحلو لي لأستخدمه .
كراسة التلوين هي ما ألحت عليّ ، درجة أني عرفت مكانها بمجرد ان نظرت لأكوام الأشياء المكدسة فوق بعضها بفوضى مقيته .
أجلس بها على الأرض وابدأ في صبغ الرمادي بألواني .. وأتذكر بسبب ذلك الطقس لمقاومة الحزن .. كل أحزاني السابقة التي تخلصت منها بالطريقة ذاتها .
ابتسم بسخرية كيف لطريقتي للتخلص من الألم أن تصبح نقطة يتجمع عندها كل ما أوجعني !
لكني أكمل دائرة التلوين ، رائحة الشتاء ، وفوضى العالم من حولي ، وسخافة وعبثية المشهد السياسي الوقح .
وانوار التحرير التي تشبه ليله صلاة مباركة .
مناقشاتي القليلة مع بعض المقربين حول " اختفاء الخاتم الذهبي من يدي " .. طلب صديق ألا أتحدث عن الأمر على الملأ .. وطلب هبه الا أكتب عنه .
وسؤال ياسمين لي في برنامجها الإذاعي على الهواء .. هل تفشي الكتابة أسرارك !
وبؤس النساء في العالم !
كلها أشياء تجعلني أفتح الورقة البيضاء وأغلقها عشر مرات قبل أن أكتب حرفا جديدا ، لكني خوفي من الكتابة يحرضني على الكتابة .
وفقدي للأشياء يضي لي كنوزي .

الحزن الذي علمتني الحياة إنه يتبدد .. والأصدقاء الذين يرسمون على روحي ابتسامات محبة .. وأبي الذي أختفي في حضنه بلا ذرة قلق واحدة .. وكتابتي التي تحملني لأمس السحاب الأبيض الذي أحبه .. وقلبي الذي يعدني بالمزيد من الفرح والمعجزات .
أطبق يدي على كل ذلك وأمضي .

Friday, October 12, 2012

في صحبة الأشباح


موبان
ديساي
الطريقة التي  أراقب بها دقات قلبي وهي تتسارع عندما أكون في حالة كتابة .. أقصد بذلك الخطوة قبل الأخيرة لفتح صفحة بيضاء واستبدال كل القطع المعدنية التي جمعتها من العالم – من أرضية الشارع ، وسقف الحجرة ، وشنطة بلاستيكية لمتسول – استبدال كل ما جمعته من الحياة ومن ذاتي المخبولة .. بقطعة كتابة .
يتسارع قلبي لحظتها بنفس وتيرتي حال قفزت من جبل شاهق بمظلة لا تعمل جيدا ، خفق يشبه هياجا حسيا طارئا تنهيه بعض القبلات وغرس ناب سحري في رقبة حبيب وارتشاف بعض الدماء وملامسة مؤخرة ممتلئة وساخنة .
خفق قلب مميز ومختلف ، مرتجل ومحدد في ذات الوقت .. يخص فتاة في حالة حب وشغف بالكتابة .. تنتظرها بالساعات على مقعد مواجه لفراش في حجرة غير منظمة    ، أجلس على الكرسي اتابع دقات بيانو في أغنية أحبها ، وارتب أفكار الحكاية في ذهني . وأقرأ باستمتاع ترجمات لبعض الاصدقاء . فأشعر بالدماء تصعد نحو قلبي ، بنشوة الجمال والعزلة ...

بسبب إعلان جائزة نوبل في الآداب أمس لكاتب صيني هو " موبان " معنى اسمه "
 لا تتكلم ، صورته في موقع ويكيدا مثيرة للتأمل ، بإمكانك أن تحذف التأمل وتكتب بدلا منها ما يحلو لك .
موبان الذي نشر احمد شافعي حوارا مترجما عنه ، عرفت منه انه يحب النساء القويات وأن له رواية أسمها " نهود ضخمة وأفخاذ عريضة " له روايات أخرى كثيرة ، لكني ضبطتني على مدار اليوم بأكمله اردد اسم الرواية وابتسم .. حتى قلت لنفسي بصوت أعلى قليلا من الهمس " لو كنت في لجنة نوبل لمنحته الجائزة على اسم هذه الرواية وحده "
أفكر الآن هل أصبح واجبا عليّ أن اعتذر كل يوم ساكتب فيه نصا عن الموسيقى والكتابة وبعض البهجة عن رغبتي في احترام عزلة الكتابة رغم ما يحدث في ميدان التحرير ، رغم الثورة والدماء ومرسي وصناديق الإقتراع والحماسة التي تليق بأهلها ، وعن الخيبة والفشل الذي ينكره أهله !
لا اعرف لكني أردت بصدق أن اتابع كتابة النص دون المرور على تلك المنطقة ، غير ان شعور الخجل ذاته تمكن مني وورطني في الإعتذار لأني ساكتب اليوم ايضا نصا لأجل بهجتي ورغبتي في اللعب .  

وأنا اتحدث مع أبي الذي كان يترقب مثلي أمس إعلان الفائز بنوبل .. سألني في الصباح عن الطريقة التي يتم اختيار الفائز بها قالي لي التقديم ، أخبرته اظن الترشيح لا اعرف .ذكرني بفرحتي يوم أخذها يوسا .. همست له سأفرح هذا العام إن أخذها فيليب روث
، في حديثي مع ابي اليوم تحدثنا عن أدب الصين وقلت له لا اعرف عنه شئ ، حكيت له عن حبي لكاوباتا وكنزابارو وعن ما نقله لي الأدب الياباني عن ذلك العالم وحكيت عن فيليب روث ثم تذكرت رواية " ميراث الخسارة " لكيران ديساي " لحظة ان نطقت باسمها استرجعت البهجة والجمال الذي سكنني وقت قرآتي لروايتها .
الكاتبة الهندية أصغر الحاصلات على البوكر التي رشحت أمها للجائزة ولم تحصل عليها ، فأكملت البنت لعبة الأحلام .
أحب هدايا الحياة ..
عندما عدت لحجرتي للكتابة ، ضبطتني جالسه على الكرسي في وضع يشبه وضع نيكول كيدمان في فيلمي المفضل " الساعات " وهي تؤدي دور فيرجينا وولف .. ابتسمت وانا اراقبني من خارج المشهد كنت أجلس نفس الجلسة وأدخن السيجارة بالطريقة ذاتها ، وكان لعيني نفس نظرة الشرود كنت اقف عند سقف الحجرة في الناحية المقابله لي أتفرج عليّ وأتأمل مشهد كاتبة تكتب في حجرة غير منظمة وتسمع صوت البيانو في أغنية تحبها .
عدت لمكاني وبحثت عن اسم كيران ديساي ووجدت حوارا لها ترجمه طلال فيصل منذ عامين ، وصادف اني لم اقراه من قبل ..
عرفت من الحوار أن ثمة نميمة أدبية في ذلك الوقت حول وجود علاقة بين أورهان باموق وكيراي .. وصف طلال لجمال ديساي كان فاتنا قال " كنت أنتظر رؤية هذه الهندية التي تكتب عنها الصحافة هذا الكلام وأنتظر دخولها قاعة إيوارت ، فلما تجلي جعله دكا ، الجمال - بحسب المفهوم الهيجلي علي الأقل _ نسبي ولكن كيران لها ضوء خاص وجاذبية لا يمكنك تحديد مصدرها لكنك تشعر بوجودها علي أي حال، أستريح في مقعدي وأنصت لكيران وهي تتحدث عن مفهوم الوحدة في الأدب المعاصر وأبدأ أتفهم لماذا حصل أورهان باموق علي جائزة نوبل ، بمجرد أن تبتسم أو تعلق تعليقا ذكيا ساخرا ، بمجرد أن تدخلك كيران ديساي في حضرتها لن تستطيع الخروج ثانية ،"
استمتع بالحوار جدا ويسألها طلال في النهاية قائلا  " سؤالي الأخير طلبا للنصيحة ، هل من الصواب أن يتزوج الروائي من الروائية ؟
بحسب ، لا يوجد كلام مطلق كما أظن أنك تعرف ، محاضرتي اليوم كانت عن الوحدة وربما تكون هذه هي ميزة ارتباط الروائي من روائية ، اثنان يعيشان في وحدة و لكنهما يشتركان في الحياة سويا ولا أعلم إن كانت هذه ميزة أم عيبا ، صدقني لا أعرف.

بعدما قرأت الحوار بحثت عن صور لديساي على جوجل صور وأخترت صورة وضعتها جوار صورة " موبان " .. وحاولت ان اجد جملة أنهي بها قطعة الكتابة لكني لم اجد فعدت من جديد أحدق في صورة ديساي وابتسم .

Wednesday, October 10, 2012

في مديح الخبل









  لم أعتد التفكير كل هذه الأيام في نص ، وحدها الرواية تلفني داخلها مثل موجة ، وحدها أعرف وحدتها وشبقها وشرودها .
النصوص أكثر حياء وأدبا ، تأتي مثل دفقة واحدة .
هذا النص شغلني لثلاث ليال ، أرق فراشي ، وسحبني لكهفه الغامض .
كانت كلماته تدور في ذهني ولا أكتبها لأن كراستي البيضاء – بدون سطور- انتهت منذ فترة ، ولم أمر على مكتبة " فنون " بشارع شريف لشراء غيرها .  
الإنشغالات اليومية والكثير من الكسل فوت عليّ أكثر من فرصة للمرور على المكتبة وشراء كراسة كتابة .
مرتين او ثلاثة أفكر في فتح الحاسوب لأكتب ما افكر فيه ، وما أن افعل حتى ابدء بسماع الموسيقى ، والفرجة على الصور واللعب دون ان اخذل كسلي مرة واحدة وافتح صفحة بيضاء للكتابة .
لاشئ يشجعني على الكتابة ، لا صوت دق الحروف على خلايا عقلي كأنها خربشات ألة كاتبة احلم بإقتناءها ، لم يحرضني شئ  لا الزهو القديم بما أكتب ،  ولا طاقتي الفائضة التي تؤلمني مثل رغبة رجل لا يملك نقود في إغواء عاهرة ، لا شئ يحركني ولا حتى رغبتي في الكتابة .  

في الصباح شعرت ان اليوم يبدو صالحا بما يكفي لأكتب النص .. كعادتي القديمة ملئت المغطس بالماء الساخن ، ووضعت الشمع على حافته .
وتذكرت وأنا ألعب مع الماء أني كتبت مشهد استمتاع بطلاتي بالمغطس كثيرا .. أكثر مما ينبغي لكاتبة مهووسة بالمغطس الممتلئ بالماء الساخن والشاور جيل " خوخ"

في نوبة نرجسية رحت أعدد في ذهني مرات كتابتي تلك ، في روايتي هلاوس مشهد بعينه يشبه الذي أكتبه في ذهني الآن ، وفي كتابي الذي عملت فيه عامين دون جدوى كتبت مشهدا آخر ، وفي الحياة تعرف صديقاتي أني قد استقبل اليوم بحمام قد يمتد لساعتين دون اي اعتبار لمواعيد العمل أو أي شئ .
في مرات كثيرة المح لون الماء يتغير بألوان تشبه حالتي المزاجية كثيرا ما يتحول لأزرق لون البحر، أو بنفسج لون الحزن ، وكثيرا يختلط فيه سواد الحروف .
أحيانا ترتطم رأسي بكلمات كاملة سقطت مني واستقرت هناك في الماء . 


في الحمام تذكرت رواية يوسا " في مديح الخاله" استرجعت في ذاكرتي فصل كامل كتبه يوسا عن طقوس دون ريغوبيرتو في الحمام .. فصل بدأه بجملة أحبها وأحفظها " دخل دون ريغوبيرتو إلى الحمام ، أحكم القفل وتنهد ، وعلى الفور هيمن عليه إحساس من الرضا والإمتنان "
واختتمه بجملة " وأخيرا جفف إبطيه وعطرهما بكولونيا خفيفه جدا ، توحي برائحة البشرة المبللة بالبحر أو بنسمة بحرية تضخمت في مرورها بدفيئة زهور . "إنني كامل" قال ذلك وهو ينظر إلى نفسه في المرأه ، ويشم رائحته ."  

كنت افكر أن الليلة عند عودتي سأكتب النص الذي ينتظر منذ أيام معطلا في عقلي ، حبيسا في روحي .. سأكتب حتما .
لكني عوضا عن العودة من الجريدة للبيت ، حضرت في مركز الإبداع عرض فيلم " سلطة بلدي " .
والحقيقه ان الفيلم أمتعني وأربكني ، وأظن ان الغرض منه لم يكن أكثر من رغبة في الإرباك والتفكير .
يمكنني الآن أن أؤجل تفكيري في – سلطة بلدي- وأن اؤجل تأثري بالعناوين التي قرأتها حول براءة المتورطين في موقعة الجمل .
كثيرا ما تفاجئني هذه الأيام منغصات ، وخيبات تخص السياسية والبشر والأحلام تجعلني أخجل من البوح والكتابة .. تشعرني بالهم ، تورطني وتغرقني فيما احب دائما أن أكون  بعيدة عنه خطوتين او ثلاثة أو عشرة لأتحرك في البراح الذي يخصني وأحتاجه لأكتب واتنفس وأحب وأظل قادرة على الحلم .
يمكنني أن اؤجل المزيد من الهزائم والفقد والحزن وان أكتب .. يمكنني حتى أن اطرد فكرة اني ارغب في تجميع أفلام وودي الآن ، وأمير كوستاريكا .. لأشاهدها كلها في أجازة
 " شهر العسل "..
يمكنني أن اتوقف عن القلق بشان الزفاف ، وتجهيز البيت الجديد ، وإنتقال خاتم الحب من يدي اليمنى ليدي الآخرى .. أؤجل هوسي بالطفلة القادمة ، وشبح إمرأة عجوز مفعمة بالحياة والضحك والسعادة تجلس جوار رجل اختارته في بداية الرحلة لتلعب معه لعبة العمر .
يمكن أن أؤجل كل ذلك الآن وأكتب نصا يطاردني ، أو أنتظر مرة اخرى حتى اشتري كراسة الكتابة من مكتبة فنون . أو افتح صفحة بيضاء رائقه على الحاسوب وأكتب أول جملة لأكسر كل ذلك الكسل وذلك الصمت  .


Tuesday, September 18, 2012

رجل الحكايات





رغم أن خبر إصابة ماركيز بالزهايمر قديم ، إلا أنني أكرر قراءته في كل مرة تقع في يدي جريدة ادبية أو موقع نشر الخبر ، أراقب نفسي وانا اقرأه بالتأثر ذاته ، وأجد الشفقة والبؤس كما هما في قلبي ...
ليلة أمس ضبطتني متلبسة أفكر في غياب ذاكرته مرة أخرى ، أفكر في مائة عام من العزلة ... والحب في زمن الكوليرا ، وكتابة البديع عن الكتابة والسيناريو ، أفكر حتى في كتاب القصص القصيرة المجمع الذي اهداه لي ذات مرة صديق يحرضني كثيرا على كتابة القصة القصيرة ، أخبره بخجل كل مرة اني لا أكتب القصة ، لا اعرف ، أنا عاجزة عن اداء هذه الرقصة الجريئة السريعه الحاسمة  .
أهداني الكتاب ليثير غيرتي ، ليمرر لي العالم الصغير .. هو يعرف ذائقتي ، يعرف أن مكتبتي كلها روايات .. كل ما عدا ذلك لا يعول عليه .
ليلة أمس فكرت في ماركيز ، رغم ألم اصابع قدمي التي أغلق عليها الباب بعنف ، وتورمت وأصبحت تشبه البطاطس في فيلم كرتون قديم إنتاج شركة ديزني ..
مشهد اصابعي حيرني ، كنت اريد التجول بوسط البلد.. أشتاق لها فجأة ، يقرصني الدم في عروقي ويميل نحوها ، فأمضي بها أتحدث بهمس للشوارع ، وأقول لها فاكرة ! وتقول لي أقولك!
نحكي عن تاريخنا السري والعلني .. عن البشر والحكايات والأحبة والأصدقاء .
عن الحزن الثقيل ، وخفة الفرح ، عن الكتابة التي تعذبني وتخاصمني ، وتفسد مزاجي ولا تجئ .

ليلة امس فكرت في ماركيز ، رغم خمس ساعات أحتجتها للنزول من بيتي والعودة اليه في طرق مزدحمة ومثيرة للغثيان والغضب .
فكرت في ماركيز ، رغم تعاستي الخاصة ومشاكلي ، ورغم الغم العام ، وإنهاء اعتصامات هيئة النقل وطلبة جامعة النيل وغيرها بالقوة ..
الأخبار المحزنة التي لا تخجل من المرور عبر رأسي .
ذاكرتي التي فقدت أسماء البشر ، تذكر الوجوه فقط والمواقف والحكايات لكنها تنسي الاسماء ، وتنسى كلمة السر لكارت الفيزا والبريد الإلكتروني فاحتاج عشر دقائق قبل ان اتذكر البنت التي تطالعني في المرآه كل صباح .
يؤلمني بشكل شخصي ذلك التيه الذي اصاب ذاكرة رجل الحكايات ، رغم فلسفة كل اصدقائي لتلك النهاية ، كل منهم  صنع فكرة تشبهه وتناسب حزنه ووحدي ظللت أقرا الخبر من جديد كلما صادفني ، ووحدي أمتلأ قلبي بنفس التأثر ورغبة باهته في الثرثرة والتذكر.


Tuesday, July 10, 2012

شجاعتي التي أفقدها






 

أرتبك كثيرا جدا ، كلما جاءتني رسالة من صديقة أعرفها ، أو أخرى لا أعرفها
تسألني لماذا لا أكتب هذه الايام ! ، فاجئتني الرسائل التي تسأل عن تدوينات لكراكيب " .
لم أعرف ابدا ان هناك من يفتقد كتابتي ، كنت أظن بعد كل ما نشرت من كتب ، وبعد ما نفذ من طبعات ، أني أكتب لأفرح ، لأتلصص على كل ما يحزنني ويربكني ، لأفهم كيف يبدو الحزن قاسيا لو ظل ساكنا في الروح ، دون ان نفتح له شباك على السماء .
يد الكتابة التي تقفل على أناملي هي السحابة التي تكورت على شكل يد لفتاة طاهرة ، يمكنها أن تعلمني كيف أخترع لحنا يخصني لأتواصل مع الصمت والسكون والموت .
تخونني شجاعتي كثيرا ، لا اقوى على تشبيك الحروف .. يهزمني خوف بعيد وقاس مسني من العمق وبقى هناك .
فرحت اخبأ مسودة روايتي الأخيرة في صندوق خشبي ، وأتلكأ حتى لا أتركها تتحول لفراشة ، أخاف الآن من الكتابة وقص الحكايات .. ذلك المزاج العام ، والغم الزائد، والفوضى والصخب الذي يلف الأرواح يؤذي قلبي ، فلا أتمكن من سماع دقاته حتى أحولها لعبارات .
نوتة عزفي تائهة وسط صناديق شوار العروس التي أمتلئت بها حجرتي ، مكتبتي التي تكومت في صناديق أخرى استعدادا للرحيل ، ستذهب لبيت جديد ، حيث سأبدأ أنا حياة جديدة
أنا الخائفة من ظل القمر على الأرض ، ومن صوت عواء الكائن الأسطوري في عباءة الظلام ، تهزمني دقات قلبي، ورغبتي في الكتابة ، وحرارة الجو .. فأشتكي لأول مرة مثل كل الناس من الحرارة ، بعدما كنت أغزل من خصلات الشمس جناحين لفتاة تعشق الصيف ، وتكره الشتاء .  
تخذلني قدرتي على المضي قدما ، بذات القلب النقى ، والروح الوردية ، فأشعر بوخز الغضب ، والمشاعر السلبية ، وقوى الشر .
وقعت في شراك التصادم مع الحياة ، وفقدت براءتي تلك ، لا استطيع مواجهة الكتابة التي تقلب في روحي بكل تلك الدماء على ثوبي .
أهمس لمحمد أني خائفة ، وألح عليه ان يعدني بأن كل شئ سيكون جيدا ، ورائقا وطيبا .
أعود لحضن الكتابة ، وأخبرها أني خائفة ومشوشة ويدي غارقة في دمي ، فتخبأني في حضنها حتى أتلاشى ، أحاول انتزاع جسدي من لحمها ، أخبرها بقلق أني وعدت رجلا ألا أخذله وألا أحبك أكثر منه .
أخبرها انه سيعرف بخيانتي تلك ، لأن ابنتى الأولى سيكون لها عين الكتابة ويدها الصغيرة مثل نتفة سحابة طيبة تكورت لتربت على يدي وتسحبني معها لعالم أحبه اكثر ، ويمكنني هناك ان اختبئ من الحزن والموت ، وافرح كما لا يمكن لاحد أن يمنحني ذلك السحر .

Saturday, May 12, 2012

نقطة زرقاء



كنت سأحب رجل الكتابة ، أتعرى أمامه بلا حرج .
لا أضطر في صحبته إلى الحديث عن الثورة ، والسياسة ، والجنون الذي يطبق على روحي .
إمرأة وحيدة لا تشاهد المناظرات حول إنتخابات الرئاسة ، لا تشاهد شئ ، غير فيلم أجنبي رومانسي على إحدى القنوات .
تسمع صوت منير في أغانيه الجديدة ، وتتحسس كل شئ كأنها لاترى .
هي لا ترى ، دخلت بالخطأ في رواية ساراماجو العمى وبقت حبيسة الصفحات .
كانت ستحب رجل الكتابة ، الذي لا يمكنه مضاجعتها لأنه بلا عضو جنسي .
لكنه يصحبها للرقص في الموالد ، يجعلها ترتدي التنورة وتدور حتى تتلاشي كنقطة لون أزرق تبخرت في السماء وتلاشت .
رجل الكتابة يسعها مثل رحم أو قبر ، يحنو عليها ويوجعها .
تبادله القسوة بأكثر منها ، والكراهية بجنون ، والعتاب بعقاب ، لا يحتمله أي منهما .
تقرفص ... الآن يمكنها أن تكتب هذا الفعل
لكن إصابة قديمة في ركبتها تمنعها من ممارسته ، تقرفص داخل الكتاب وتصمت حتى لا تفسد أحداث الرواية .
تفكر في بيت الشعر الذي كتبته دينا في الصباح وسألتها بعفوية إن كانت تذكره !
" لو أنك لي .. لو أن قلبي قبعة ساحر"
سوزان عليوان تلك الرقيقة !
أفكر طوال اليوم في – رجل الكتابة – ذلك المقصود ببيت الشعر .
يموت لحظة ملامسة قدمه للشارع ، هو يحيا داخل الصفحة البيضاء ، ينزلق عليها ويعيش .
هي تختفي داخل فستان زفاف أبيض – تبدو مثل نقطة حليب ، ندفة ثلج ، بقلب يرتجف

وحزن لا يداويه الوقت ، ولا تداريه الروح .
كنت سأحب رجل الكتابة ، وسأكتب له بيت الشعر هذا ! وأنتظر منه ردا لعشر سنوات
ثم ارتدي الفستان الأبيض المعلق على فرع شجرة لا أعرف نوعها وأغادر لألحق بالعرس

في حضن الرجل الحقيقي سأتقيأ مرار الهزيمة ، وساعترف بذنوبي كلها ، وسأحتفظ بقطرات دمائي الوردية في منديل قديم أهدته لي الشمس ذات مرة عندما كنت نقطة لون زرقاء في السماء .
مالت عليّ وقبلتني وأهدتني المنديل .
انا احب الشمس ، ولو كنت رجلا لكتبت فيها قصائد ،وراودتها عن نفسها حتى تقع في غرامي .
لو كنت رجلا لكنت قاسية مثل الرجال ، ولكسرت قلب الشمس ، وتركتها تنز دما كل غروب .

لكني إمرأة تتعلق برجل الكتابة ، وتنجب ثلاثة أطفال من الرجل الحقيقي .
وتمتنع عن مشاهدة نشرات الأخبار وصفحات الحوادث وبرامج التوك شو .
ستحب ناشرها ، وصديقها الكاتب ، وصديقتها الرسامة ، ورفيقة روحها التي سافرت ولم ترجع .

ستنتظر إنجاب فتاة صغيرة لتنكسر لعنتها ، لتجد رجلا حقيقيا يعد لها قهوتها الغامقة المرة ، يخفيها في حضنه من عمى ساراماجو .
يبقيها بعيدا في جوف الكهف حتى لا تنتقم الشمس منها ، ولا يؤذيها رجل الكتابة لأنها رقصت معه وضاجعت رجلا آخر صادف وجوده في الزحام نفسه الذي سقطت فيه نقطتها الزرقاء .


Friday, April 20, 2012

عن أشباح ومعجزة وبعض الثلج



الإلتزام بالعادات السيئة فضيلة راقية – طالما اصبحت عادات .
هذا ما قالته لنفسها في محاولة منها لتبرير فعلتها الأخيرة .
عادت لترك الجمل التي تعجبها ، وتحيرها ، وتبدو مفتتحا غامضا لكتابة غامضة ، ملقاة أمامها على الورق .
تكتب الجملة في مفكرتها اليومية ، وعلى صفحتها على الفيس بوك ، على الدولاب بالطباشير ، وعلى يدها بعد غسل صحون العشاء .
الجملة الأخيرة الجديدة كانت- ربما لو كان رجلا اقل تطلبا ، لو بدى غير مرئي ، فقط لو لم يكن حقيقيا من لحم ودم .
لم تعرف حتى اللحظة التي كررت فيها كتابة الجملة أكثر من عشرين مرة ، فيما قد تستخدمها ، ولم تجد للجملة صلة واعية بما تشعر به .

ليس في حياتها رجال متطلبين ، ولا نساء .
هي وحدها غارقة في أنانيتها المفرطة ، وهوسها برغبات روحها حتى تحولت لشيطانة صغيرة بوجه ملائكي ، وروح طاهرة لم تدنس بالجنس ، ربما بهلاوس الحب فقط ، والكتابة عن الملابس الداخلية .
قال لها زميلها " جمال" انت إستثنائية " تعليقا على موقفها الطفولي السخيف بالتوقف عن العمل ، لأنها لا ترغب في خلط الأدب بالسياسية .

كيف تعمل الآن وكل ما حولها اختلط بنكهة التنظير ، والجدل ، والتخوين والعمالة والكلام الذي يثير قشعريرة حقيقية ومؤلمه في روحها .

ارغمت نفسها على تصفية للذهن ، اعادت قراءة مائة عام من العزلة في نسخة جديدة لصالح علماني ، استعادت بهجتها وهي تقرأ من جديد وتضع خطوطا جديدة ، وتعليقات ، سمحت لنفسها بالإنبهار من جديد ومحبة هذا الكتاب من البدء .

لكن الخواء عاد يلازمها وهي تتحسس الصفحات وتعرف أن أسبوعين فقط هما ما صمدا امام طوفان الزمن الرخو الدائري ، انتهى الكتاب .

وجلست على الرصيف في الشارع في مكان تحبه في مدينتها الجديدة ، حيث وقفت سيارة جيب بها شاب قال لها كلمات لم تسمعها جيدا لأن صوت منير كان يهمس في اذنيها " تتكسري ولا يتصلب عودك " قبل ان يعيد الفتى تدوير سيارته ويمضي .
لم يكن في السماء قمر ، ولا في القلب بهجة ، ولا في الكتاب المزيد من الحكايات

لكن الشارع البعيد ممتلئ بالبشر ، والهتافات ، والسياسة
والشارع الخرافي لم يعد موجود ، لأنه لملم أشيائه ورحل بعدما انتظرها كل ليلة لمدة عام ، ثم عرف انها اضاعته من قلبها للأبد .
الشارع الخرافي صار حزينا ، درجة ان صادفها ذات مرة في الطريق فلم يتعرف احدهما على الآخر .

 
لم يذكر جمال أنها فتاة وحيدة ، وبائسة قال فقط استثنائية ، تلك الكلمة التي تصلح لأصحاب العاهات ، والكرامات على حد سواء .

بينما يعرف رجل يحبها أنها قاسية القلب ، وحزينة ، وتعرف دميتها أن الأشباح تتجول في حجرتها ليلا ، وتعرف هي أنها مشوشة ، وتكره السياسة ، ولا تحب المتاجرة بالدين ولا بالأحلام .
وتنتظر معجزة صغيرة لتتمكن من اللعب بكرات الثلج أمام بيتها في شمس أغسطس المباركة .

Monday, March 12, 2012

التاريخ الكوني للخزي



هل كان يفكر بورخيس ، وهو يتوج مجموعته القصصية البديعة بهذا العنوان ، إنه سيجئ مثل زماننا هذا !

يبدو المقطع الأخير إنشائي ، وقديم .. لكنني لن أغيره .

أتساءل في اللحظة التي يطفئ فيها الصخب أنواره ، ويمنحني المساء بعض السكينة هل سانجح الآن في كتابة نصا جديدا .

أنا التي لا تستقيم الحياة لديها إلا بكتابة جديدة .

كيف تتسرب لمسامعي الأخبار السيئة إن كنت لا أشاهد قنوات الأخبار ، ولا أقرأ الجرائد .. وأحب تدخين الحشيش .

أحبه بروح خالصة ، وبلا خجل .

ليس في هذا الكون الممتلئ بالخزي ، ذرة خجل .

أي خجل في مذابح سوريا التي أراها بقلبي وقد صارت الأشباح تتجول في الاسواق ، وتزاحم الأحياء .

أصبح من الصعب عليّ أن احتفظ في قلبي بدمشق التي أحببتها ، أحببت لكنة الرجال القادمين من الشام ، وأحب نصوص خليل صويلح .

والحلوى السورية ، والمفرش الذي أشتريته من المعرض السوري لأن الرجل الذي باعه لي قال إن الله سينصرنا على بشار ، أشتريته لأفترشه ليلة عرسي .

حتى لا أنسى ابتسامة الرجل التي تقف أمام مذابح الجبن .

أي حياء ، وكلماتنا ضد الفجر والعهر ، صراخنا ولطم خدودنا أمام براءة الطبيب في قضية كشف عذرية وطن .

هل أكتب مرة اخرى عن السياسة !

ما الذي حدث لكلمات الحب !

وقلب طفلة احتفظت به في صدري ، رغم الخصلات البيضاء التي ملئت روحي وبقت .

ما الذي حدث لطاقتي التي كنت اقاوم بها الفقد ، والخيبات .

فأستبدلت مارس الذي يذكرني برحيل أمي ، بتعويذة أمل

مارس الذي يمنحني كل عام هدية تخصني ، وحضن يكفي عاما آخر ، يفيض على جوانب قلبي ، فأوزعه وردا على الصديقات الوحيدات .

ما الذي حدث للنور وسط سحابات الظلام الرمادية التي تبدد مشهد الصباح فيبدو بعيدا ولا يمكننا لمسه مهما حاولنا أن نرتفع قليلا فوق الأرض .

الجملة الأخيرة مزدحمة ، وشاعرية ، وتبدو مثل نغمة طويلة سترهق عازف الناي حتى يتمكن من نفخها في ألته الحزينة ، تبدو كذلك لكني سأفضل الصمت ولن أبدلها .


 

كراكيب نهى محمود © 2008. Design By: SkinCorner