Tuesday, January 27, 2009

البحث عن طوطم

يعتاد أبي على جنوني وأفكاري المتطرفة حيال البهجة
يتقبل أصدقائي كل ما أفعل لأن لديهم تأويل محتمل له طوال الوقت
أفكر أني أبنة سيئة وأني صديقي سيئة جدا بالضرورة ،
وأن الطريقة التي أكرر بها أخطائي في حق نفسي وحق كل من أحب تبدو مريعة .

أفكر حتى أن الأسلوب الذي أنهار به يبدو طفوليا ساذجا ،
وأن إبتلاع حبوب الباندول الخمسين لن تتسبب في موتي وإنما ستفزع صديقاتي وأمي وتغضب أبي ،
وبدى لي شرب كل تلك اللترات من الماء المالح هو عقاب مثالي ل"سارق البصل "
الموجودة حكايته في كتاب الحواديت الكبير الذي جمعته أمي لي بنفسها عندما كنت صغيرة
علمتني قراءته وكتابته كله في وقت كان زملائي بالمدرسة يتعلمون فقط تجميع الحروف والكلمات .

تعتاد أسرتي الصغيرة والكبيرة وأصدقائي على جنوني
وأفكاري المتطرفة حيال كسر الملل والتجديد
بعد قراءتي كتاب " عبودية الكراكيب "
سيطر على ذهني فكرة تحرير الطاقة من الأشياء الكثيرة التي جمعتها طوال عمري
.. خاصة وانا احتفظ بكل ورقة منذ كنت في الحضانة ..
ميراث الكراكيب كبيرا وضخما
واحتاج الأمر مني مقاومة شديدة لمسألة حب تملك تلك الأشياء
كنت امشي في حجرات البيت احكي لهم بشكل مجاني دون ان يسالني أحد عن طريقة الفنج شو –
وعن الطاقة الايجابية التي تنساب الآن لتغرق حجرتي

كان أبي واخوتي يتابعون في صمت تكدس أكياس كبيرة سوداء أمام باب حجرتي
احتاج الأمر 4 ايام لتقليب كل الاوراق واستدعاء ذكريات كثيرة ومقاومة نفسي
وفي النهاية تخلصت من 23 كيس أسود كبير بهم أوراق
وكراسات منذ المرحلة الابتدائية وحتى الانتهاء من الجامعه
وتلك المسودات الورقية المتضمنة تجاربي الروائية الاولى
وكراسات يومياتي التي امتدت لما يقرب 13 عام
تخلصت من كل شئ وجلست على ارضية الحجرة كأي دالاي لاما يحترم نفسه
لأستمتع بإنسياب تيارات الطاقة عبر المكان .

كان ذلك ملحا جدا .. قبل ان تتملكني رغبة أن اغير حجرتي كلها ...
وان استبدلها بحجرة أخرى من حجرات البيت
أنا احب حجرتي ومتعلقة بها بشدة ..
هي أجمل حجرات البيت ومرتبة بطريقه تلائمني تماما
وبها ثلاث مكتبات مرتبين بشكل مناسب وحجرة نوم كاملة
وبلكونة لطيفة أستمتع بها في مارس لأني أحب رائحة الهواء في ذلك الشهر من العام
جدران حجرتي شاهده على كل لحظات سعادتي وشقائي .. بها يتم تدشين علاقتي بصديقاتي
في المساحة الطيبة امام فراشي نجلس على الارض ونتحدث ونضحك
ورغم كل ذلك .. قررت ان اغادرها
عاينت كل حجرات البيت كأني أراها للمرة الأولى .. اخترت حجرة امي
وقضيت أيام أقنع الجميع وبدات في جمع أشيائي من حجرتي
وملئني ذلك بالحماس والبهجة لكن الحنين غلبني هذه المرة فأعدت الملابس للدولاب
والكتب للأرفف وأغلقت عليّ باب حجرتي
وقد ملئني شعورا جارفا بالحنين وكأني غادرت منذ اعوام وعدت الآن .

يشغلني الآن معرفتي للطوطم الخاص بي
و تعريف الطوطم في الأنتروبولوجي لمن لا يعرفه هو كائن حي يكون على شكل حيوان أو نبات أو يشكل جزءاً من حيوان أو نبات، وهو كائن طبيعي أو ظاهرة طبيعية أو رمز لهذه الأشياء يمثل الصفات المميزة لجماعة بشرية أو جماعات بشرية تعيش في مجتمع معين.

ولأننا لسنا في عصر القبيله فليس بوسعي التوجه لساحر القرية وسؤاله عن ذلك .
. أنا أبحث عن الطوطم الخاص بي
شغلني ذلك طوال الأيام الماضية .. قرأت في هذه المسألة كثيرا ،
وعرفت انه من احدى الطرق الفعاله لمعرفته هو التأمل
عندما أبذل قدرا من العناء سأعرفه .. سيدلني هو
المشكله ان التأمل في " سوق الحميدية مثلا " لم يبد مناسبا ، فالامر اصعب من كتابة قصة أو مقال
وحتى ارصفة وسط البلد لم تصلح لذلك ولا شاطئ النهر
بدت حجرتي مناسبة خاصة وأنا اتظاهر بالنوم
كنت اتأمل لساعات تسببت في هدوء مؤقت لجهازي العصبي
جعلني أشعر بالقلق على الضوضاء المحببة التي اصنعها في دائرة وجودي
كنت أتأمل لساعات ولا يفاجئني تخيل أو تصور لما أكونه في الحقيقية وما انتمى له من رموز
بعد ايام من تكرار التجربة اختلط عليّ الأمر لأني كنت افكر في البطة والزرافة ..
وذلك خالي تماما من الحيادية لأن احب البطة ككائن ..
أحب صوتها وحركتها في حلقات كرتون والت ديزني .. كما أني مولعه بالزرافة وطريقتها في التهام الجزر من يد الحارس .. الزرافة التي تأكل في اليوم الواحد 60 كيلو من الحشيش الأخضر
وتعيش في الغابات في مجتمع يهمن عليه ذكر الزرافة وهو ما لا يقره قاسم امين

لا اظن ان اي منهما هو الطوطم الخاص بي ..
الفكرة اني أحبهما لذلك افكر بهما كثيرا .. لا اعرف كيف سأهتدي للطوطم الخاص بي ..
لكني أعرف فقط أني ابنة سيئة وصديقة سيئة بالضرورة
وأن الطريقة التي اكرر بها أخطائي تبدو مريعة .

Thursday, January 22, 2009

فريسكه

أنا حسنة الظن بالعالم
لأن أحدهم لم يسقني شئ أصفر ويسلبني عذريتي
لأن العالم تعامل معي كما يلائمني
أنا الهشة الناعمة كقطعة البسكوت
أنا لا أقف في طابور الخبز وإنما يشتريه ليّ الفتى الصغير محمد كل صباح

ويقف عند الباب يسألني إن كنت اريد اي شئ أخر قبل ان اشكره بسعادة واغلق الباب
أنا لا أجرب التحرش اليومي الإجباري في المواصلات العامة

لأني لا اركب إلا الرائق منها الذي يسمح لي ان اجلس وانظر في النافذة ..

لأن البديل متاح دائما ان اشير لتاكسي
انا اركب المواصلات العامة من باب انه طقس جماعي

ولأنه الى الآن يشعرني اني أصبحت شابة ناضجة بإمكانها فعل ذلك وحدها .
أنا اذهب لعملي من باب قتل الفراغ وتحقيق الذات

وذلك الكلام الكبير الذي صدقته ولم افقد ايماني به بعد .
أنا انفق مرتبي الذي اعتبره كبيرا نسبيا على مواصلاتي

ومصروفاتي الشخصية و شراء الكتب ودخول السينما وعروض الموسيقى والأوبرا ..

انفقه على الشيكولاته والورد .
أنا لا اكل من مرتبي ومع ذلك أشعر بالغلاء الرهيب الذي أفقد لكل فئات النقود

قيمتها خاصة تلك الورقة الملعونة – من فئة ال200- التي لن تكفي لشراء 3 كتب من المدى .

أنا اعرف ان هناك حربا في غزة وأعمل في قسم سياسي بالجريدة

ومع ذلك أحاول أن أتشبث بأفكار اخرى غير أن ذلك القبح يحدث ،

أنا اكتب بيدي مؤتمرات القادة العرب والأجانب أردد خلفهم الدعارة والعهر

ومع ذلك اترك ربع ذهني معهم واشغل الباقي بأحلام جميلة أصدقها والمح أطيافها

أنا بقيت مع امي ثلاثة أشهر في المستشفى أتحرك في حيز غرفتنا هناك فقط

ونخرج فقط لجلسات العلاج الرهيبة في سيارة اسعاف أو مع هالة أو عمرو

ومع ذلك كنت اصدق انها ستتعافى
أمي ماتت بين يدي في البيت وأنا اناديها ولازلت ابحث عن طيفها في البيت

واتشمم حضنها ومذاق طعامها في كل ما افعل ولا يجرؤ أحد ان يخبرني أني لم اراها منذ 3 سنوات .

أنا احب مصر
رغم الخنوع والعار الذي نحياه منذ سنوات طويلة
أحبها واصدق ما يقوله الوزراء وما تعلنه الحكومة ،

وأخاف من المظاهرات وأنزعج من الشيوعيين ، وأرتاب في الإخوان
وأسخر من لافتات الوطني ..

أنا احب مصر واعتب على اصدقائي الذين يختارون السفر ..

أفكر حتى ان اتشبث في اقدامهم ليبقوا لأن مصر دي أمنا
أنا ابكي وانا اسمع النشيد الوطني واغنية شيرين عن مصر

أنا ارفض فكرة السفر الرهيبة لأني لن اترك بلد بها قبر امي ،

لن اترك بلد بها مقاهي وسط البلد

وشارع قصر النيل الذي اشتريت منه مع رحاب فستان خطوبتها البنفسجي

وكنا نغنى ونبكي ونحضن بعضنا في غرفه البروفة من الفرحة ..

لن أتركه لأن به محلات الكشري التي دخلتها لأول مرة مع ابي
ولأن بها هالة وترتيل وشيماء وهيام وعمروونهى بكر وكل اصدقائي
لأن بها عائلتي الكبيرة كلها .. لأن بها اطفال رأيتهم يكبرون ويصبحون شبابا
لن اتركها لأن فيها النيل الذي تصحبني أنت عليه لنقطع مسافات طويلة وأنا حزينة
لتخفف عني / وتضحك معي وتشتري لي الشاي من البائعه في الشارع
وتلف يدك على كتفي لتتأكد من يقين رحيلها ووجودنا ..
لن اعرف ان أغادر لأن حقائبي لن تسع ذلك العمر الذي انفقته هنا وأحببت كل ما فيه ..
مدرستي الأولى .. وحب مراهقتي .. ودموعي يوم تخرجي من الكلية
وفرحتي بأول مرتب
وبيت جدي وجدتي

لن أعرف ان اراها قبيحة وشريرة وبديل
حتى عندما اصبح الحرس والجنود وضباط امن الدولة في الشوارع اكثر من البشر
حتى وهم يشيرون للسائرين في الشارع بتعالي ليغيروا خط سيرهم
حتى وهم يغلقون رصيف مترو رمسيس أمام جامع الفتح خوفا من مظاهرة مسالمة لاجل غزة
حتى وهم يجلسون كالحوامل أمام سلم نقابتنا لا اعرف لماذا !
لن اعرف ان اكره هذا البلد حتى وهم يلقون القبض على الأحلام

وهم يفتعلون الشجار معنا على بوابة معرض الكتاب لأن صديقة دخلت بالشال الفلسطيني
ومنعها الامن وأصرت هي على الدخول
لن اكرهها وهم يفتشون حقائبنا ويقراون اوراقنا على بوابة المعرض كأنها منشورات
لن اكرهها وأرض المعارض محاطة بعربات امن مركزي كأننا في حرب
ولأنهم منعوا سائقي الميكروباصات من الوصول لأبواب المعرض
الحكومة قالت ممنوعة
لن اكرهها وهم يشوهون كل شئ

لأن هناك رجل يصر أن ينام تحت الشجرة رغم انه لم ييحكم ولم يعدل .
لن اكرهها لأن لحظة ان اطفؤا انوار المعرض في السابعة مساء فقط

لتستيقظ الخفافيش وسكان الظلام

وبينما نعبر الشارع لنشير لتاكسي كان هناك ذلك الرجل

الذي ينادي بإبتسامة جميلة على الفريسكا
لن اكرهها حتى وذلك الرجل يؤذي أذني بمعاكسة وأنا اسير في الشارع

لأني قايضت بين فكرة سبه بلفظ بدى مناسبا يطعن صميم رجولته

ويخدش حياء تلك العذراء التي اكونها

وبين التخلى عن بكارة الروح وتلوين اللوحة الملونة أصلا بالدماء

وأظنني فضلت الحل الأخيرة وإن بقيت انتفض من الرهبة والحزن

اهداء: لأسماء يس

Wednesday, January 14, 2009

سنوات العمر الهرمة الحبيبة

الشاعر / اسامة الدناصوري
الكاتب / حمدي أبو جليّل

بدت الأيام الماضية في حياتي مختلفة
كنت احاول أن اُعيد خلالها ترتيب قطع البازل المبعثرة في فوضى ،

حاولت رتق جعبة الحزن التي اهترأت بفعل احمالها
حاولت تصفية عقلي ومراوغة الكتابة أو حتى الإمتناع عنها ..
ووسط كل ذلك كنت احاول التقرب والتودد لنفسي .. كنت أعقد صفقات بيننا ..

ألمس بيدي الأخدود العميق الذي صنعه الموت في قلبي
أتصالح مع فكرة غياب الأحباب بالموت أو الفراق
قبول ذلك كله بدا لي مهما لتمضي الحياة اكثر رفقا واحتمالا
بدا الموت مهيبا في ذاكرتي وفي خطوط روحي

..
ما الذي دفع بفكرة المواجهة الأن أظنه أسامة الدناصوري
الليلة الثالثة التي أحضرها في ذكرى ذلك الشاعر والإنسان الذي لم القه ابدا
كنت قد انضممت لأهل ميريت بعد أيام قليلة من رحيله
لم اكن اعرف عنه سوى اسمه وكتابه الذي يُعد للصدور " كلبي الهرم كلبي الحبيب"
اوجعني وقتها ذلك الشعور أن يموت كاتب قبل أن يرى كتابه النور ..

دراماتيكية الحدث كله عندي تلخصت في ذلك
قرأت ديوانه " عين سارحة وعين مندهشة"

ووقعت في غرام كلماته وفلسفته الجميلة التي تصبغ العالم كله بحب الحياة
أظنه الفارق في كتابة أسامه كلها انه كان يكتب من الضفة الأخرى من الوجود

حيث يبقى كل ما يكتب عنه خطا فاصلا بين الحب والحزن والموت والحياة
والعجز والرغبة لا ليست الرغبة هي الكلمة المناسبة كمضاد العجز في كتابته كان الشبق

أسامة الدناصوري في ليلته الثالثة لإحياء ذكراه السنوية الثانية بدا لي حاضرا قويا عطوفا
مورطا كل احبابه ورفقاء دربه في دفع الحزن والغياب بكلماته التي تبعث الجمال والسعادة

ليلة تأبينه الأولى كانت في جناح ميريت بمعرض الكتاب ..
كنت اشعر سخونة الفقد ووهج الدموع في العيون ..

أذكر الدموع في عين عم هاشم ، في ذكرى رحيله الأولى كنا بميريت
وفي ذكرى هذا العام كنا في ميريت ..

وجاءت زوجته سهير ولا أعرف لماذا خمنت انها هي فور دخولها ..
كنت أريد ان اقبلها وأخبرها اني أعرفها من كتاب أسامة الأخير
لكني خجلت وإن بقيت اراقبها طوال الليلة .
وإن لمحت كل ما فتحته جلستنا تلك من جروح في كيانها ودموعها

ونحن نشاهد تسجيل فيديو لأسامة يقرأ فيه فصلا من " كلبي الهرم / كلبي الحبيب"

تأثر الجميع اختلاط حنين الفقد بابتساماتنا وضحكاتنا

وهم يحكون عن كل الأشياء الجميله والعادية التي اقتسموها مع اسامة رحمه الله

كل ذلك نقل ليّ معان اظنها كانت غائبة عن فكرتي بشأن الموت وغياب الأحباب
لا يمكنني أن اتحدث عن حضور الموت داخلي ولا عن اسامة الدناصوري
دون ان اتحدث عن صديقي " حمدي ابو جليّل"
-
أسامة كان صديق حمدي القريب ..

حمدي متأثر به لدرجة انه يعمل منذ وفاة اسامة في كتاب رائع عنه
أنا اراقب حمدي طوال الوقت لأن الطريقة التي تعامل بها مع اختفاء أسامة من العالم تعجبني ..
أظن ان حمدي لا يعرف اني اراقبه بهذا الشأن

وانه لا يعرف أني احب علاقته بأسامة ونظرته للموت
واني اكتب أيضا لأنجو من الحزن وإن ورطتني الكتابة في مزاج مضطرب مزعج

وإن خانتني الكلمات كثيرا وسكنني العجز والألم
وإن استدعت تعاويذي المرعبة بشأن الفقد والموت كل مخاوفي

أنا أحاول أن اتصالح مع الموت لاقبله ملازما للحياة

لأن لحظتها فقط سأتصالح مع كل المتضادات العظيمة الحقيقية /
وقتها فقط سأعرف أني نجوت من براثن الحزن .
أظن اني مدينة بالشكر لأسامة الذي عاش الحياة كما تستحق
ولحمدي الذي يرى الموت كما يبدو .

Thursday, January 08, 2009

أسرار صغيرة

يعرف رجل أحبه أن كل الدموع التي تنهال من عيني وأنا في حضنه سببها أحزان العمر ..
تعرف يده الطيبه التي تحوطني بسخاء أني ارتجف من الرهبة
وأعرف وحدي أني أجاهد لأتصالح مع كل ما احزنني وأخافني
أحاول أن اتنفس العالم مثل الرجل الذي يقتسم معي الحلم والأمل والأسرار الصغيرة جدا .
أعرف وحدي ان وجوده يعدني طوال الوقت بدفء يكفي شتاء العام
وأن لاشئ يعادل البهجة التي تسكنني
وأنا امرر اناملي بين خصلات شعره في محاولة فاشلة لأبقيه نائما ساعة اخرى
لأحدق في ابتسامته الساحرة المضيئة
أعرف وحدي أن ملامسه شفتي لرقبته وأنا في حضنه
يشبه اشتهاءه لقطرات مطر طازجة تحتفظ ببكارتها لأجل الربيع .

يعرف عني أني هشة .. يعايرني اني أتكسر بين يديه في كل ليلة
وانه يضطر في الصباح لإعادة تجميعي كدمية صغيرة ...
يعرف أني أحبه كما لن يحبه أحد
واعرف أنه يدللني كما لا يعرف أحد

أمرر له كل جنوني وثرثرتني وضوضائي وشري
ويسرسب لي هو كل صمته وحيطته ومزاجه المتقلب وابتسامته وطيبته
أنا اجمع لأجله باقة زهر أنثرها فوق فراشنا .. وهو يجمع لأجلي
حبات من فاكهتي المفضلة يتركها على طاولة المطبخ
ويجلس امامي يتفرج عليّ وانا اعد الطعام وأتحدث واضحك .
في المساء وعلى ضوء القمر يراقصني حتى مجئ النهار
وأنا في حضنه
يعرف أن كل الدموع التي تنهال من عيني سببها أحزان العمر ..
تعرف يده الطيبه التي تحوطني بسخاء أني ارتجف من الرهبة
وأعرف وحدي أني أجاهد لأتصالح مع كل ما احزنني وأخافني .

Saturday, January 03, 2009

كان شرير " بشوكه- وديل"

يستهويني أن اكون في حالة حب
أنا طوال الوقت في حالة عشق مع العالم
يكفي أن تجلس معي 5 دقائق لتعرف حتى لون ملابسي الداخلية – اظن ذلك حقيقيا بدرجة ما –
خاصة لو تعلق الأمر بمنتجات " كارينا"
أطالب نفسي طوال الوقت ببعض الخبث والحيطة
لكني لا اعرف مقاومة شهوة الحكي
عن الاشياء التي تدهشني
ولسوء الحظ او حسنه العالم كله يدهشني
السحاب الناعم في السماء وهو يتماس في دلال يسحرني ..
عيون طفلة سمراء بضفائر كثيرة – ابتسامه رجل عجوز –
لمسة غير مقصودة من سيدة لها هيئة أي أم-
خبر عليه اسمي في الجريدة
تعليق في المدونة
حضن من ابي .. قبلة على جبيني من اخي الصغير –
مقابلة مع صديقة – فنجان قهوة مع أحد ممن ارتاح بينهم وأشعر بالبراح
كلها اسباب تسترعي حالة الحكي
حتى الملعقة الخشبية الجديدة
وإحساسي وانا اقلب بها محتويات سلطة السوسيس في الطاسة التيفال الكبيرة التي تحبها أمي
سكون الليل والدفء تحت الأغطية مع كتاب
العالم كله ببهجته وذكرياته واحزانه مادة خصبة للحكايات

- وذلك الرجل – الذي أُحب – مادة خصبة للحكي والكتابة والإلهام
الرجل الساحر الذي يمتد تحت جلدي ويسير في دمي كما البلازما
ذلك الذي استبدلت معه عملية الخلق ليتكون هو من ضلعي المكسور منذ 8سنوات إثر حادث لا احب تذكره
من نفس ذلك الضلع جوار قلبي يتكون – رجل احبه-
من نفس العجز والوجع الذي لا يبرأ – لأن الكسر كان قويا

الرجل الساحر الذي لا احتاج منه شئ إلا وجوده –
وجوده كان يكفي لأنسج عنه ومنه كل الأساطير
كان حبيبي نادر الكلام
كنت وحدي أحكي وأنفخ فيما بيننا من روحي
الرجل الساحر الذي كنت احبه واستحضره في ليالي الحزن ليقتسم معي وجعي
، الرجل الذي كنت أقتسم معه الكتابة والحلم والحياة لأني أردت ذلك بشدة بينما وقف هو في منطقة حيادية كصندوق شكسبير الفضي في " مسرحية تاجر البندقية"
الصندوق لم يعد صاحبه بشئ هكذا قالت الافتة – ان أخترتني ستعطي فقط أنا لا اعدك بشئ"
أحب الفضة واصدق في النبؤات والتعاويذ
أخترته وراهنت عليه
في كل الليالي المقمرة رافقته للغابة وجلسنا تحت الشجرة التي رواها دم العشاق
فاغرقته بدمي ودمها – لم يكن يبدي استجابة كالأحياء
كان في عالم آخر – مُخترع في خياله- المريض بالضرورة
لا احد عاقل يجلس تحت شجرة العشاق في الغابة في ليلة مقمرة مع ساحرة مجنونة من باب كسر الملل.
الرجل الساحر الذي أحبه – زهقت منه- جمعت عشب الغابة كله وفي ليلة غاب قمرها
وعدته بسهرة خاصة – اغويته كما يليق بخطيئة أولى
فك لي خصلات شعري من ضفيرتها – غبنا في عناق مبهج وبكل الافكار الشريرة المدنسة التي قد يحملها رجل وإمرأة لبعضهما في غابة بعيدة – بدون شرطة آداب- كنا نفكر –
أو كان يفكر وحده لأني كنت مشغولة أكثر بسحبه في اتجاه الفخ
هناك أشعلت فيه النار ..
لأني سئمت حضوره الإفتراضي في عالمي المزدحم بالحكايات
– ولأنه كان شرير معي- هكذا اعترف لي وهو يحترق
عندما عدت للبيت
قايضت بين إخفاء جريمتي وكتابتها
فاستسلمت لإغراء الكتابة
وأضفت من عندي انه قال لي وهو يحترق في اعشاب شجرة العشق في الغابة
– انه كان شرير معي وكان بشوكة وديل- .

Thursday, January 01, 2009

في حضرة الغياب

ِيعطل القبح جهازي العصبي عن العمل
كالفرق بين قناة فتافيت " أول قناة عربية متخصصة في الطهي "
وبين القنوات التي تتناقل صور العدوان الإسرائيلي على غزة
يبدأ العام الجديد
تجئ ذكرى رحيل أمي مع ليلة رأس السنة
فأرتبك ولا أعرف كيف أجيب على اتصالاتي الهاتفية ..
أصمت قليلا في بداية المكالمة ثم اعرف سبب الإتصال
أرد تبعا لذاكرة المتحدث
الفرق شاسع تماما بين – تعيشي وتفتكري /وبين كل سنة وانت طيبة سنة سعيدة عليكي –
الارتباك يختلط بذاكرتي السمعية بصوت " العجمي يرتل سورة البقرة "
العجمي يستحضر ذكرى الفقد كلها لأنه كان يرتل طوال ايام رحيلها
.. لأنه كان مقرئي المفضل ..
منذ ثلاث سنوات لم اعد احتمل ترتيله هو بالذات لأنه يعيد ذاكرتي السمعية للحزن .
بعد خروجي من البيت تختلط أصوات إذاعة نجوم أف أم بصوت تامر حسني بصدى العجمي ..

أدندن أنا " أحن إلى خبز امي – وقهوة امي قصيدة درويش بغناء مارسيل خليفة "
تتسرسب الدموع طوال اليوم من عيني .. تقهرها الضحكات الهادئة
الابتسامات الطيبة التي تربت على قلبي لأن حصاد العام كان محتملا ..

- عدوان على غزة – مظاهرات في الشوارع – حزن في قلبي – صخب في استقبال العام الجديد /
سكان عالمي يقبضون على كفي بالحب فأدرك اننا كلنا – سننجو- من طوفان الحنين

القبح يعطل جهازي العصبي عن العمل
كالفرق بين كنزي الثمين من مصوغات الفضة التي أحبها لأنها تتوافق وطاقة جسدي وتمدني بالبهجة ..
وكيس المهملات الأسود الطويل الذي يمتلئ كل اسبوع بالورق
الذي اخرجه من حقيبتي وادراج مكتبي وجيب بيجامتى كنتاج لفعل الكتابة على جدران العالم...
الأكياس البلاستيكية السوداء التي تصُنع من المخلفات الضارة بالصحة
كالفرق بينهما تبدلت حالتي

أنحزت لجانب الفضة
وتوقفت عن التشبث بالأكياس البلاستيكية السوداء الضارة بالصحة ..
في الكيس الأخير وضعت كل ما أزعجني هذا العام ..
تخلصت من القبح الذي يعطل جهازي العصبي عن العمل .
لم اعرف ان انحاز إلا لخياراتي في الحياة ..
ليس سهلا عليّ في سني هذا أن ابدأ من جديد في اكتشاف دلالات الأشياء
أنا اثق في جهاز استقبالي حتى وإن خذلني مرات كثيرة

لن أتخلى عن استمتاعي بالأشياء البسيطة
واحتفاءي بالحياة لأني أظنها تستحق
لا احد يعرف قيمة الحياة قدر من عاش تجارب الألم وتماس مع الموت في وجوه من احب
/ وغادر جزء من روحه العالم يوم غادر الأحباء

لا احد يعرف قيمة الابتسامة ولحظة الفرح إلا من احتمل أيام أخرى ثقيلة على القلب والروح
.. بدت ليل طويل نسى فيه النهار موعد حضوره

لا أحد يصدق في الحب وطاقته السحرية قدر المؤمنين بالله
وأنا أصدق في الحب والفرح والحياة
وأؤمن بالله الذي خلقني ووهبني قلبي الذي أعرفه واطمئن لخياراته واصدقه.

 

كراكيب نهى محمود © 2008. Design By: SkinCorner