Sunday, February 16, 2014

الطريقة غير المثلى للتعامل مع هذا الجزء من القلب ...





                                                                                          الصورة للفنانة  سحر عبد الله

هذا الجزء من العام  يملأ قلبي بالعاطفة ، تجتاحني مشاعر من مر عليها سنوات تطبق بيدها على دفء شعاع شمس ، وإبتسامة من القلب ، ولحظات كثيرة رائقة ، وحزن لا تنسى شفتيها مذاقه مهما اختبرت روحها الفرح .
في مثل هذه الحرارة أو المطر أو رائحة التراب تمرر لي ذاكرتي الكثير من الحكايات التي سقطت بفعل القدم والتوقف عن استهلاكها ، قصص المراهقة وحيل البنات والحب الذي كان ، والذي غادر ، والذي بقى .
فوضى الإرتباك ، وحكايات العمر كلها تبدأ من أيام كان لها نفس رائحة التراب والهواء والشمس وربما رائحة الجسد الذي منحته لي أمي وهي تغادر .. فأصبح عليّ كلما اشتقت حضنها أن أغطس بأنفي في رائحة جسدي أو رائحة الجلباب الأزرق الذي احتفظ به منذ أن خلعته عنها آخر مرة لترتدي الكفن .
ليست أمي ولا رائحة الشوق والموت والمحبة هي ما أردت الكتابة عنه ، ولا حكايات العمر او رائحة الأيام ولا أمنيتي التي كانت بصنع طفلة لها نفس اسمي وملامحي ودلالي الطفولي السخيف .  
الطفلة التي اشتري لها الملابس ، وأحتفظ بقطعه من أشياء كل طفل أحبه لها ، نفضت اليوم الحقيبة الصغيرة التي احتفظ فيها بملابس صغيرة لأطفال رأيتهم يكبرون أمامي ، وضعت لأحدهم حفاضا أو حكيت له حكاية قبل النوم او كنت حاضره عندما نطق اسمي لأول مرة وهو يختبر صوت الحروف في فمه .. أطفال عائلتي وأصدقائي الذين يتركون لي قطعه من ملابسهم كتميمة وتعويذة حصولي على طفل يخصني .. لا أعرف لماذا ملئتني تلك الحقيبة اليوم بهذا الشجن ، الشجن الذي يخص رائحة الهواء والحنين والفقد والمنح الإلهية وعطايا القدر الذي هو دائما سخي معي .
 ربما اردت فقط أن أكتب عن رقصة البطاطس المهروسة ، كنت اشاهد فيلم قديم لميريل ستريب ، ووقف ولد صغير يرقص كأنه اداة هرس البطاطس وكان الخاطر الذي جاءني صحيح تماما لأن الرقصة كان اسمها رقصة البطاطس المهروسة  .
أداة هرس البطاطس تلك تشبه المثلث الذي يكفي نقرة صغيرة منه بآلة معدنية – شوكة مثلا – لتفوح رائحة الفرح , لم استطع أن أمنع ابتسامة عميقة سكنت وجهي وانا  اتمتم باسم الرقصة ، انهض من مكاني وأجربها وأضحك من قلبي .
قلبي الذي يوجعني وأوجعه لكننا رفاق عمر ويعرف كل منا أننا ورغم كل المرات التي خذل كل منا الآخر سننجو ، احدنا يعرف الطريق والآخر يثق به .
في اليوم التالي أعود للوقوف أمام فاترينات بيع ادوات المطبخ ، بعد قرار غير معلن بأني سأتوقف عن شراء أدوات المطبخ .
المطبخ الذي ينقذني طوال الوقت من الموت من الحزن ، ومن الوحدة .. لأن الله مس روحي ، وهمست لي الجنيات الصغيرة بأن أطهو ، تذكرت ذلك كله يوم عيد الحب بينما يتجمع كل من أحب حول مائدة صنعت أصنافها بيدي ، طاقة الحب التي أحملها لهم ويردونها لي ابتسامات على وجوههم تكفيني لأيام طويلة ، تدفئني وتملئ قلبي بالعاطفة .
انا التي لم أكتب ما رغبت حقا في كتابته لأنه كان قبيحا كتلك المشاعر التي تملئني أحيانا ، وتورطني في منطقة من العالم تتعطل فيها إشاراتي وطاقتي .
وأدرك اني لو جربت تحويل مشاعري هناك لكتابة لخرجت لا تشبهني ولأفسدت ذلك الجزء من القلب الذي أعرفه ويعرفني . 

Saturday, February 01, 2014

و هي




لا أذكر تحديدا هل كانت رائحة البحر أم صوته !  هو ما  أيقظني فجأة من نوم قلق و وخزني في كتفي الأيمن الذي تتناثر فوقه حبات النمش ككمشة ملح سخية رشتها سيدة أربعينية في سبوع حفيدها الأول .
الرائحة أم الصوت أو ربما فقط موسيقى البيانو المنبعثة من الشرفة المواربة في فيلم " رسائل البحر " ومشهد الفراشات الذي صاحب البنت وهي تحكي عن حبيبها  الأول في نفس الفيلم .
ربما حنيني الشديد للأسكندرية ، ولذلك العتق والخلاص التي تمنحه لي في كل مرة أقف فيها بين يديها ، هي التي تفعل بي ما تفعله وتمسح على رأسي وربما تعطيني قطعه خبز وفصلا في كتاب وسكينة تكفيني حتى أعود .  
ربما ايقظني قلق غامض ، وتراكم بعض الكتابة ومقال تأخرت أكثر من عشرة أيام على إنهاءه .. وبيت جديد انتقلت فيه حديثا ولازالت إحداثيات المكان غير مرتبة في ذهني .
أتخبطت بحماس في الأثاث ، ويتعين عليّ  أن اضئ المصابيح انا التي تتحرك في الظلام بسهولة حفظها لأماكن الفوضى التي أعرفها كظهر يدي .
القلق الذي يعرف انه غير مرحب به
 .. ربما جاء مع صوت العود الذي ملئني تلك اللليلة ، وصوت حسن زكي الذي أحبه وهو يبدأ الليلة بأغنيتي المفضلة .
ربما كان من فرط الزحام الذي علق بروحي طيلة أسبوع حافل بالبشر والحكايات ، هي طريقتي في الإلهاء والتشتييت .. لكني لم اعد قادرة على المزيد أريد فقط بعض الصمت والضوء الخافت القادم من شرفتي التي أحكمت إغلاقها حتى لا يزعجني صوت العصافير القديمة .
لكن معرض الكتاب يجذبني من يدي ويربت روحي ويضع ابتسامة خرافية على شفتي ، فأحتضن كل ذكرياتي معه وأمضي
أتذكر الآن أن القلق جاء من فيلم شاهدته قريبا اسمه " هي " her  يحكي عن رجل يعمل في "كتابة الخطابات " مهنته الوحيدة أن يذهب كل يوم للعمل ويملي حاسوبة خطابات يكتبها بدلا من بشر آخرين ، رجل لزوجته وام لإبنها وفتاة لرجل ويغادر المكتب .
تنتظر منه زوجته ان يوقع أوراق الطلاق لكنه لا يستطيع لأنه يحب كونه متزوجا حتى ولو لم يقابل زوجته تلك منذ اكثر من عام ، حتى يقع في حب برنامج تشغيل على الكمبيوتر له صوت فتاة ويدخل معه في علاقة جادة حتى يهجره نظام الكمبيوتر الذي له صوت فتاة ليغادر مع انظمة الكمبيوتر الآخرى التي تشبهه والتي تقع في علاقات غرامية مع بشر آخرين .
فيلم له إيقاع هادئ وبطء ، تنتظر طوال الوقت ان تحدث مفاجأة ، الحقيقة أنا شاهدت الفيلم كله لاني توقعت في لحظة ما مشهدا استثنائيا ، حدثا مربكا يغير كل البطء والكآبة لكن شيئا لم يحدث حتى نهاية الفيلم ، الأمر الذي جعل ابتسامة سخرية تملا وجهي وكلمة قبيحة اعتدت مؤخرا أن اقولها كلما شاهدت فيلما يصنع معي الحاله ذاتها انتظر منذ الدقيقة الأولى أن يفاجئني بشئ فينتهي دون أن يفعل ودون أن أستطيع أنا ان أتوقف عن مشاهدته ، الأمر يشبه خدعة انتظار حاجة حلوة ، بينما جعبة الرجل فارغة من الحاجات الحلوة والسيئة على السواء ,

أدرك الآن أني لو كنت في حالتي الطبيعية  كنت سأتوقف عن متابعته بعد الدقائق الأولى ، لكن مشاهدتي له حتى النهاية يذكرني بجلستي على رصيف أحبه منذ أيام لأكثر من ساعتين أحدق في الشجرة التي تميل بشكل يجعلها تنظر لروحي مباشرة كلما جلست أمامها أميل رأسي قليلا كعادتي .
اجلس على الرصيف ساعتين أستمتع بالشمس وأنتظر حافلة خضراء ستجئ ذات يوم ، هو اليوم ذاته الذي مرت أمامي فيه  وأنا احتسي قهوتي بالمقهى ذاته عربة الساحر تلك التي لا تبيع شيئا يمكن أن نشير نحوه ومع ذلك تمضي امامي في موكب خرافي ، توزع وعودا وأحلاما وتخفي غموضا مبهجا خلف ستائرها الخمراء وقطع الزينة الذهبية الرخيصة المعلقة بها ، حتى صاحبها الذي يعلم انه لا يبيع شيئا يذكر أصابه السحر مثلها فمضي يوزع كمشة من الغبار الفضى الامع الذي تحتاجه الجنيات لتطير ، وأحتاجه أنا لأندهش وأضحك وأنجو من التشويش والإرتباك الذي قالت عبير في لعبتها انه سيكون طالعي لهذا العام .
الأمر الذي جعلني لا أبدي اي دهشة عندما وضعت أغنية لأبو الليف مع اغنية احبها لأم كلثوم في تراك واحد فدارا معا وبدى ذلك منطقيا ومقبولا .


أنا التي ستعتاد المشي في الظلام من جديد ، وستجرب النوم مع القلق وتنتظر حافلة خضراء ربما ستجئ ذات يوم . 
 

كراكيب نهى محمود © 2008. Design By: SkinCorner