Saturday, May 12, 2012

نقطة زرقاء



كنت سأحب رجل الكتابة ، أتعرى أمامه بلا حرج .
لا أضطر في صحبته إلى الحديث عن الثورة ، والسياسة ، والجنون الذي يطبق على روحي .
إمرأة وحيدة لا تشاهد المناظرات حول إنتخابات الرئاسة ، لا تشاهد شئ ، غير فيلم أجنبي رومانسي على إحدى القنوات .
تسمع صوت منير في أغانيه الجديدة ، وتتحسس كل شئ كأنها لاترى .
هي لا ترى ، دخلت بالخطأ في رواية ساراماجو العمى وبقت حبيسة الصفحات .
كانت ستحب رجل الكتابة ، الذي لا يمكنه مضاجعتها لأنه بلا عضو جنسي .
لكنه يصحبها للرقص في الموالد ، يجعلها ترتدي التنورة وتدور حتى تتلاشي كنقطة لون أزرق تبخرت في السماء وتلاشت .
رجل الكتابة يسعها مثل رحم أو قبر ، يحنو عليها ويوجعها .
تبادله القسوة بأكثر منها ، والكراهية بجنون ، والعتاب بعقاب ، لا يحتمله أي منهما .
تقرفص ... الآن يمكنها أن تكتب هذا الفعل
لكن إصابة قديمة في ركبتها تمنعها من ممارسته ، تقرفص داخل الكتاب وتصمت حتى لا تفسد أحداث الرواية .
تفكر في بيت الشعر الذي كتبته دينا في الصباح وسألتها بعفوية إن كانت تذكره !
" لو أنك لي .. لو أن قلبي قبعة ساحر"
سوزان عليوان تلك الرقيقة !
أفكر طوال اليوم في – رجل الكتابة – ذلك المقصود ببيت الشعر .
يموت لحظة ملامسة قدمه للشارع ، هو يحيا داخل الصفحة البيضاء ، ينزلق عليها ويعيش .
هي تختفي داخل فستان زفاف أبيض – تبدو مثل نقطة حليب ، ندفة ثلج ، بقلب يرتجف

وحزن لا يداويه الوقت ، ولا تداريه الروح .
كنت سأحب رجل الكتابة ، وسأكتب له بيت الشعر هذا ! وأنتظر منه ردا لعشر سنوات
ثم ارتدي الفستان الأبيض المعلق على فرع شجرة لا أعرف نوعها وأغادر لألحق بالعرس

في حضن الرجل الحقيقي سأتقيأ مرار الهزيمة ، وساعترف بذنوبي كلها ، وسأحتفظ بقطرات دمائي الوردية في منديل قديم أهدته لي الشمس ذات مرة عندما كنت نقطة لون زرقاء في السماء .
مالت عليّ وقبلتني وأهدتني المنديل .
انا احب الشمس ، ولو كنت رجلا لكتبت فيها قصائد ،وراودتها عن نفسها حتى تقع في غرامي .
لو كنت رجلا لكنت قاسية مثل الرجال ، ولكسرت قلب الشمس ، وتركتها تنز دما كل غروب .

لكني إمرأة تتعلق برجل الكتابة ، وتنجب ثلاثة أطفال من الرجل الحقيقي .
وتمتنع عن مشاهدة نشرات الأخبار وصفحات الحوادث وبرامج التوك شو .
ستحب ناشرها ، وصديقها الكاتب ، وصديقتها الرسامة ، ورفيقة روحها التي سافرت ولم ترجع .

ستنتظر إنجاب فتاة صغيرة لتنكسر لعنتها ، لتجد رجلا حقيقيا يعد لها قهوتها الغامقة المرة ، يخفيها في حضنه من عمى ساراماجو .
يبقيها بعيدا في جوف الكهف حتى لا تنتقم الشمس منها ، ولا يؤذيها رجل الكتابة لأنها رقصت معه وضاجعت رجلا آخر صادف وجوده في الزحام نفسه الذي سقطت فيه نقطتها الزرقاء .


 

كراكيب نهى محمود © 2008. Design By: SkinCorner