
لا أعرف ما الذي يجعلني أمشي مطأطأة الرأس هذه الأيام
، لا أجد سببا واضحا لإحساسي بالعار والخزي الذي يدفعني للبحث كالمجاذيب عن أشياء على اسفلت الشارع فأمضي ثلاث ساعات متواصله من المشي دون أن أهتم برفع عيني لما حولي
شيء في قلبي يملئني بإحساس الهزيمة .
اقاوم انجذابي نحو الأرض ثم أستسلم وأجلس على حافة رصيف منخفض
أشعر بالدنو ، يعلو صدري ويهبط في محاولة لالتقاط أنفاس منتظمة محملة برائحة الفرح لكني اخفق
يمر جواري رجل مسن ويهمس لي – سبيها على الله –
اتساءل بعد اختفاءه كأنه غيمة ضباب مرت جواري وتلاشت هل يبدو الحزن على ملامحي لهذه الدرجة .
تكاد حافلة أن تصطدم بي عند عبوري الطريق لأنها جاءت مسرعة من الجانب الآخر ، ولأني لم استطع ان ارفع عيني نحو الطريق
عندما مرت بمحازاتي تماما
رأيت المشهد البديل ، جسدي مسجيا على الأرض مغطيا بالدماء
ابتهجت لأن الحافلة اخطأتني
ولأن لازال لديّ المزيد من الوقت
قطعت باقي المسافة وأنا أغني – الدنيا ريشة في هوا- كنت اغنى وصوت منير يملأ قلبي وليس صوت سعد عبد الوهاب
كنت افكر في فيلم " اميرة التوابل " التي اقترحت عليّ رؤيته صديقتي الفراشة كما أحب تسميتها وأحضره لي صديقي الطيب الذي لا استحق صداقته ، أميرة التوابل التي تتحدث اليها النباتات والتوابل وتمنح من خلالها الحياري والمحتاجين يد العون والمساعدة .
أفكر اني احتاج منها خلطة قوية لتجعلني أنسى الذكريات الأليمة ، لطرد اشباح اخفاقات العمر ، خلطة للأمل والبدء من جديد
والتوقف عن الكتابة كأنها طريقتي للتداوي
لماذا لا أملك ترف التملص من كتابة الوجع عندما أرغب في تزييفه
الساعات الطويلة التي قطعت فيها الشوارع سمحت للحزن أن يتسرب من جعبتي ،
الرواية الجميلة التي أقرأها الآن انقذتني من الجنون
رواية " ميراث الخسارة " لكاتبة هندية شابة هي كيران ديساي
في المرة الأولى التي وقعت فيها عيني على نسخة من هذه الرواية كان في نافذة عرض مكتبة حكومية
رددت اسم الرواية في قلبي- ميراث الخسارة – وتساءلت عما قد يكون !
داخل الرواية كان هناك الكثير جدا من الجمال والشجن والإنسانية ، في كل مرة كنت اترك فيها النسخة وأنشغل عنها بشئ كنت أشعر اني اطوي الصفحات المحملة بالدم واللحم والأنفاس والحيرة كنت أفكر في ما قالته الكاتبة
" هل يمكن أن يتحول في أعماقنا الشعور بما نحققه من إنجاز إلى شئ أشبه بالخسارة والفقد ؟
كل ما حققته من انجازات في حياتي أحالني للشعور بالفقد والخسارة
لتحقيق حلمي بالعمل في الصحافة كان عليّ أن أنذر سنوات بلا أمل ، كان عليّ ان اقامر بالعمر ، عندما أحببت رجل منحته كل ضحكات القلب وطاقات الفرح حتى تمكنت من قلبه فاجئني ان ما حصلت عليه ليس كافيا لتحقيق السعادة .
حتى الكتابة التي أبادلها الروح وأقايض بها العالم
تعذبني وتغير أبعاد الكون والبشر من حولي
في رواية ديساي أجد بعض العلامات التي تدلني
تقول على لسان "ساي " انها فقدت مهارتها القديمة في العيش وحيدة "
ابتسم لأني لم أتخيل ابدا أني سأكون إجتماعية هكذا ، لم اكن اتخيل اني فقدت قدرتي على الوحدة .
يقول العم بوتي ناصحا ساي
يتعين عليك أن تنظري للحب باعتباره فنا ، أو كقطعه نسيج مزدانه بالرسوم والصور، وأن تدركي أن ما يصاحب الحب من حزن وفقد وخسارة يفوق في قيمته اي سعادة اخرى .
حسنا سأستمع للعم بوتي سأحمل في قلبي الحزن والفقد والخسارة وأطمئن .