Tuesday, January 18, 2011

كما الماء والشيكولاته

بالخجل ذاته الذي يعترف فيه رجل بحبه للنساء ، لتأجج تلك الشهوة داخله ، وايمانه بأن إمرأة واحدة لا تكفي لتلائم كل ضربات مزاجه البعيدة المتقلبة .
مثل ذلك الرجل الوحيد جدا ..درجة عجزه عن الإستغناء بإمرأة واحدة عن كل نساء الحياة .. مثل تلك الوحدة وذلك العجز والخجل .
أعترف أنا بأني إمرأة لا تكفيها حياة واحدة لتفرح ، ولا قلوب ممتلئة بالحب لتعالج فراغ روحها .
وأن الكتابة والطهي يتقاسمان عالمي كعشيقين مخلصين .
وأني في حياة أخرى كنت سأحب أن تكون مهنتي في أوراقي الرسمية هي كاتبة ،وطاهية في مطعم اسطوري .
في حياة أخرى سأمتلك بيتا كبيرا ممتلئا بالشمس وأقسمه بشكل عادل بين أن يكون مطبخا كبيرا ومكتبة كبيرة جوارها مكتب يصلح للكتابة وألة كاتبة قديمة تصنع ذلك الصوت الذي يشبه غياب سكين حاد في غابة من الخس .
منزل بجدران بيضاء لا يعلق بها حزن ولا أتربة .
في هذه الحياة سأمتلك ذات المهارات المرتبكة بشأن كتابة تؤلمني دائما وأنا ابحث بها عن التعويض ولها عن الكمال .
مهارات أخرى ممتلئة بالفرح وأنا اعد المزيد من الوصفات .
الكتابة تحتاج للحياة لتكتمل وتنضج ، ووصفات الطعام تحتاج للحب حتى تبدو رائقة وجيدة ..
الخواء والحزن يهزمان الحياة ..
انا اقاوم لأجل كتابة حلوة ووصفات تمنحني ذاتها بلا مزيد من التدلل .
أمتلئ بالخجل وأنا اعترف أني أحب الكتابة بطريقة حسية ، وأن اللحظات التي تمنحني فيها كتابة ترضيني تشبه حضن رجل أستطيع بمنتهي اليسر أن اختفي فيه من أحزان العالم كله .
حضن الكتابة وربتها لروحي .. والنشوة غير الموصوفة التي تضئ وجهي وتتسلل لتحت جلدي .. تشبه أورجازم متعتي الضغط على لوحة المفاتيح وإطباق يدي على ملعقتي الخشبية وتقليب الألوان في مقلاتي التي ورثتها عن أمي ، وتسع كل وصفاتي
فعل الضغط والتقليب يشبهان التمسح بجسدك ، حفظ ثنايه وخشونته الناعمة
لا يزعجني أنك رجل ناعم مثل الحروف و حبات الدقيق وسطح الفلفل الرومي بألوانه الثلاث .
أنا امارس الحب على طريقتي في ذلك الكون الصغير .
أترك شريط الأخبار أمامي ، وشعب يجاهد بوضع استيتوس على الفيس بوك يعلن عن سعادته بثورة تونس ، وعدد من الرجال قرروا حمل الجاز والبنزين وإشعال النار في أنفسهم
أترك فوضى السيرك الذي نعيش فيه وأفكر في ايقوناتي الناعمة
لمسة رجل أحبه وحروف تضئ عتمة أيامي ، وخضروات تبتسم لي فتصنع لي يومي
أفكر في الرواية التي قرأتها أخيرا فأمتعتني ، وحمتني من الحزن طيلة اسبوع كان كل ما فيه مخيبا للأمال ، وحملت لي دفئا كافيا بعيدا عن أمطار الشتاء وغيومه التي تعذبني ، وتعيد لي ذاكرة الوجع والفقد .
الرواية كانت " الغليان " للكاتبة المكسيكية لاورا إسكبيل
إبتسامة رائقة كانت تشع على وجهي مع كل سطر اقرأه فيها ، الحرص الشديد مع كل ورقة اقلبها حتى لا تنتهي تلك الدفقة المباركة من الحكي عن الحب ووصفات الطعام والسحر .
لاورا إسكبيل كتبت الغليان عام 1992 وحققت نجاحا عالميا ، ترجت ل 29 لغة ، كما احتلت لأكثر من عام قائمة الأكثر مبيعا في النيويورك تايمز وحصلت على لقب إمرأة العام .ثم تحول لفيلم بعنوان " كما الماء والشيكولاته " وحصد العديد من الجوائز
تفتح لاورا كل فصل في الرواية بوصفة طعام تلعب دورا ملهما في الحكاية ، وفي علاقة البطلات – النساء- بالأحداث
تخلط أرق بطلتها " تيتا" ولوعتها وشوقها وحبها وحتى فرحها بالوصفات كلها ، تنقل بها كل ما ترغب أو تعجز عن وصفه للعالم .
فيصاب المدعوين بالتسمم من كعكة الزفاف التي صنعتها ليلة زواج حبيبها واختلطت مكونتها بدموعها ، ويتحرقون بالشوق والحنين لمن يحبوا لحظة تناول حلوى صنعتها وهي تشتاق لرجل تحبه .
ويبقى في طعام أمها مرارا أبديا جراء كل الظلم التي أوقعتها تحته .
أتذكر الضوء الذي يملئني عندما أفعل ما أحب وعرفت انه اشتعال الحياة كما تقول عنه تيتا بطلة الرواية "
جميعنا نولد بعلبة كبريت داخلنا ، لكننا لا نستطيع أن نشعلها وحدنا .. نحتاج إلى أكسجين وشمعة .. الأكسجين يستمد من أنفاس المحبوب ، الشمعة يمكن أن تكون نوع من الطعام ، موسيقى، لمسة حب ، كلمة ، صوت يطلق صمام التفجير وهكذا يشتعل عود الثقاب . نشعر للحظة أننا نشتعل بعاطفة قوية وينشأ في داخلنا دفء ممتع "
العشق والطهي والكتابة هم مكونات هذه الرواية البديعة التي قرأتها مرتين في أسبوع ، وتحسست غلافها وأوراقها قدر ما أحتمل ، وحاولت الكتابة عنها طيلة أيام وفشلت جدا
فقط تذكرت كل ما قرأته عن الطهي – كتاب افروديت لإيزابيل أليندي ، كتاب أبلة نظيرة وهي تحكي عن وصفات تعلمتها في إنجلترا عندما أرسلتها وزارة التعليم عام 1929 لتتعلم أصول الطهي ، فأشعر وأنا اضم صفحات الكتاب بين يدي بكل المحبة والشغف الذي كتبت بهم هذا الكتاب .تذكرت فيلم جولي وجوليا ، وفرحتي بإكتشاف أن استمتاعي بالطهي بمكعبات الزبدة كان اكتشاف نساء أخريات عشنا في حياة مختلفة ، تذكرت اني تعلمت مسح الأطباق من كاثرين زيتا جونز في فيلمها التي جسدت فيه شخصية طاهية وتعلمت تقطيع الخضروات برفع سن السكين بشكل معين من فيلم آخر لا اذكره الآن ، تذكرت فيلم كوين لطيفا وهي تطهو في أحد الفنادق الشهيرة حيث أختارت ان تقضي اجازته الأخيرة قبل أن تموت بمرض عضال .
تذكرت فرحتى وأنا العب في الدقيق لصنع فطيرة الفراخ الأولى لي ، ورائحة أول كعكة صنعتها بخليط من دقيق الذرة والقمح والبرتقال
تذكرت صديقاتي وهن يغلقن عيونهن بإستمتاع وهن يجربن وصفاتي ، وتذكرت طريقتي عندما أغلق عيني وأنكمش لحظة أن يمسني ذلك الرجل ، ولحظة ان أمس أنا خضروات طازجة واقطعها وأمرر لها محبتي ، ولوحة المفاتيح وهي تزيح عن عاتقي كل الضوضاء والإرتباك
مثل وجبة ساخنة وممارسة ساخنة للحب وكتابة حقيقية تمس القلب وحمام بخار يتخلل من المسام للروح مثل ذلك كله وكما الماء والشيكولاته أعرف طريقتي للحياة .

Wednesday, January 12, 2011

معالي


كأني كنت أحدق في سطح بحيرة فألمح الضحكة ذاتها ، والعين الممتلئة عن آخرها بالشغف ومحبة الحياة ..
فتاة اخرى تلضم في حلقة الساحرات الممتدة من بوابة الروح – من الأرض حتى السماء – صديقة جديدة تدخل من الباب الذي قلت لنفسي مئة مرة على الاقل في العامين الماضيين إنه أغلق تماما للأبد
أنظر في كف يدي الممتلئ بأيادي صديقات مخلصات يطبقن عليّ فأشعر اني احلى واقوى ، وأحب الحياة لأن بها كل هؤلاء الجميلات .
كل صديقة جديدة تجد لها وطأة قدم في هذه الفوضى ، أقول بحزم أنها الأخيرة ..
لكن الجعبة دائما تخرج لي المزيد من الحلوات .
رحاب كانت صديقتي الأولى
لم يعد سرا أن صداقتي الأولى مع فتاة كانت عندما بلغت من العمر 23 عاما
، جاء زميل وقال لي اعرف واحدة تشبهك .. لها نفس مزاجك وجنونك وفوضاكي . أعطى كل منا هاتف الآخرى واختفى من حياتنا للأبد .. كساحر كانت تلك مهمته

مع رحاب تعلمت كل الأشياء التي تحمل لقب أول مرة ، من رحاب حتى معالي
العشرات من الصديقات لكل منهن نكهة وحكاية ، وحالة خاصة ومزاج ..
صديقاتي الآتي أسطو على ارواحهن واحولهن لكتابة ، أو أتكا عليهن بمنتهي القسوة ويحتملن ، يخرجن اجمل ما فيّ ، الصداقة هي هدية الله لمخلوقاته البائسة على الأرض .

معالي حكاية مكررة .. جاءت اسماء وقالت انها تعرف صديقة تشبهني ، ابتسم وأهز رأسي ولا أتصور ان التاريخ سيعيد نفسه وعالم الحكايات الذي فقد قدرته على التجديد ، وأصبح مفلسا سيبدأ الكرة كلها من جديد.

في المرات التي كنا نرتب فيها للمقابلة ، ونظرا لمزاجي السئ في الشهور الماضية ، وإنشغالي الخرافي بأشياء عبثية لم نتمكن من ترتيب ميعاد للتعارف
خلال شهرين ربما كنا نتحدث على الهاتف ، أو على جروب الفتيات السري على الفيس بوك
سري لأنه يخص قبيلة صغيرة بائسة من الفتيات أنا منهن ،
الشغف نحو تلك الفتاة بدأ قبل أن اقابلها بكثير ، هي ايضا تعلقت بي
كان لنا الإهتمام المقدس ذاته في القراءة والكتابة ..
والطقوس السحرية نفسها في الطهي .. هذا كله كنت اعرفه قبل لقائي بها ، كنت اعرف حتى أن صداقتي بها بدأت في حياة أخرى واننا الآن نلتقي مرة اخرى لنجدد عهدا قديما قويا .

من المقابلة الأولى ولفرط حميمية اللقاء ، ورقة هذه الفتاة ، وشقاوة روحها ، ولمعة عبقرية تملأ روحها فتشع لحظة أن تحكي ..
الفتاة ذاتها تشبهني حد الجنون – هي أحلى
تحكي بحيوية فقدتها أنا من فرط الحزن ، تملك اندهاشا أقاومه منذ شهور .
تتحدث مع الأشياء مثلي ، للطهي حضور مرعب في حديثها
يدها تتحرك طوال الوقت .. تحكي كل العادي فيتحول لأحداث تستحق أن تروى ليمت ماركيز دون أن يكون دقيقا في يقينه بشان ما يصلح للحكي .

معالي الفتاة التي اقاوم الكتابة عنها منذ المرة الأولى ... سألتها امس وهي تنصب سيركا يخصها ، وتخرج من حقيبتها العابها ممكن أكتبك؟
كانت تدير دفته الجلسة كلها
لأشعر لمرة وحيدة منذ سنوات ان هناك من يشاركني محبة العالم بهذه الطريقة يأخذ منه احلى ما فيه دون أن يزعجه قبحه ، لا يخجل من احتضان عروسة والمشي بها في الشارع ، أو وضع حبة من الفوار الذي يدغدغ في فمه وهو جالس على الرصيف يضحك من فرط التأثر والفرح .

معالي التي وفرت عليّ لمرة اولى في عمري أن اضئ إشارات روحي لأحمل ضوءا للجالسين معي
أمس قابلتها وكنت منهكة وحزينة ، فأنجزت المهمة وحدها
ملئت قلبي بالبهجة ، ولم اتوقف عن الضحك ونحن – أنا وهي واسماء – نلتهم عشرات الاطباق في مطعم قالت عنه انها تدشن فيه علاقتها بالقريبات
ابتسم في ارهاق واخبرها اني كنت افعل ذلك في أتوبيس يخصني
تدشن علاقتنا وتعيرني كتابا وتناولني قطعة من الشيكولاته وتحكي لي ، وتصف لأسماء طريقة لإعداد الدجاج بالروز ماري فتتكأ على قلبي من فرط استمتاعها بالحكي عن الطهي تلك المتعة التي تغويني كالكتابة .


معالي أخر العابرات من بوابة الشغف والصداقة تحمل راية محبة وكلمة سر لا يمكن معها إلا أن أتحرك قليلا للوراء لأدعها تمر
.
 

كراكيب نهى محمود © 2008. Design By: SkinCorner