Sunday, April 24, 2011

بين القصرين/ بيننا


أجلس جواره في مكاننا المعتاد ، ابتسم الآن لأن الأشياء التي لها صفة الإعتياد وبيننا تبهجني.
يسألني ويحاول ان يبدو رقيقا – على غير العادة – لأنه يغضب لو ضبط نفسه متلبسا بفعل الرقة ، هكذا تقول افعاله أنا رجل قديم ، الرجال القدماء ينتظرون طوال الوقت رائحة البخور ودعاء أمينة .
أنا احب رجل قديم ، يتمسك بأشياءه القديمة ، ويصارع ليبدو امامي رجلا حداثيا .. لا اصدقه ابدا ، ولا يهتم هو بذلك
لكننا نلعب معا دوما كقط وبطة ،هل راي أحدكم قطا يلاعب بطة !

في جلستنا هذه المرة جاوزت الحرارة الأربعين ، كان صيفا بإمتياز ، الشمس تترك رشرشات الملح على بشرتي - فقط لو تذوقها ذلك المخبول الذي يجلس جواري- ، ألمح أطيافنا وطاقات أجسادنا تمضي حائرة بيني وبينه كما يليق بإمرأة متيمة ، ورجل يحب .
هو لا يلمسني وأنا لا أهتم بذلك ، فما يصل عبر الممر السحري يكفيني ويفيض.

مزاجي رائق ، وهو يبدو مرهق كطفل قضى نهاره يلعب في التراب ومع جنيات غير مرئية .
في جلسة مثل تلك أنكمش على ذاتي ، وأبدو أنثى قديمة هشة لا تبالي بنظريات الحداثة ، وما بعد الكولونيالية.. أهتم فقط بمراقبتي لدقات قلبي وابتسامته .
في جلسة مثل تلك يكسر هو نعومتها بتذكر كل الأشياء التي لا تعجبه فيّ ، هكذا يشعر بقوته ، وبسيطرته على دفة الأمور ، اتركه يفعل لأنه يتركني افعل عندما ارغب في حمل راية الحكايات .

نتحدث عن خوفي الفطري من الحيوانات ، هو يعرفه ويغضبه اني لا أحتمل التعامل مع العصافير والطيور والحيوانات الأليفة وغيرها .
أنا لا امس شيئا حيا لأن ذلك يفزعني ، ويملئني بقشعريرة لا أحتملها ، هو يضغط عليّ ويمارس رجولته القديمة دوما في هذه المساحة بيننا
يتهمني بالسخافة ، كنت ادافع عن نفسي كل مرة كمتهمه هذه المرة هززت رأسي واعترفت – عندك حق أنا سخيفة-
شجعه ذلك على التمادي أقنعني أن أتغلب على هذا – الديفو- في شخصيتي
، سألني كيف سيكون حالي لو قابلت حيوانا يحتضر وكان لابد عليّ أن اهب لنجدته
أخبرته اني سأبحث عن قفاز أو أي شئ يمكنني من لمس ذلك الكائن ، ضيق علي الخناق وأخبرني الأمر يحتاج لقرار سريع
لم اجد بدا من ان اقول له حسنا سأنقذه

في المساء كنت أفكر في إجابتي ، وهل حقا كنت سأنقذ الحيوان ، في البدء هززت رأسي ثم قلت طبعا طبعا كنت سأفعل لكني لن استخدم يدي حتى اعود للبيت
سأغسلها عشر مرات ولن آكل بها حتى اليوم التالي
في الصباح قلت لنفسي وانا أقف أمام المرآه وبدون حتى أن اكرر السؤال
لا لا كنت هسيب الحيوان يموت
على وجهي انتشرت ضحكة شريرة ، وقلت كنت سأتركها تموت
أنا لا أحب الكائنات الحية ، أحب الزهور ، لو رأيت شجرة تموت او زهورا تذبل سيملأ الحزن قلبي ، سأحاول أن انعشها أكثر وقت ممكن
أما الأشياء الأخرى ربما لا تهمها مشاعري نحوها لأن هناك من يحبها .
في المرة القادمة سأخبره اني سخيفة وأكره الحيوانات الأليفة ، وسأسمح له أن يعايرني بذلك قبل ان ينزل السلم المتخيل وأمضي خلفه أحمل المبخرة وأتمتم بأدعية الرقية داخل الكادر الأبيض وأسود لفيلم بين القصرين .

2 comments:

saadebaid said...

الممر السحري
يمر من خلاله اليه شئ ما يخبره أن أمينة ماتت في العصور القديمة و لن تبعث من جديد ، و ان البخور يستدعي ارواح العاشقين القدامي و لكنه لا يعيدهم للحياة ،فيصارع ليبدوا حداثيا
يمارس استفزازك بما لا تحبين لتخرجي ما عندك و تنفضي عنك شرنقتك الاخيرة

شهرزاد المصرية said...

إنها عقدة أحمد عبد الجواد الشهيرة
و التى لم أقابل رجلا لا يعانى منها أيا كان موقعه من حياتى
و أعتقد أن كل ينات حواء يشاركننى الرأى فكلنا فى الهم نساء أو فى قول آخر أمينة
أحسنت كالعادة يا عزيزتى

 

كراكيب نهى محمود © 2008. Design By: SkinCorner