Sunday, September 19, 2010

ميراث الخسارة




لا أعرف ما الذي يجعلني أمشي مطأطأة الرأس هذه الأيام
، لا أجد سببا واضحا لإحساسي بالعار والخزي الذي يدفعني للبحث كالمجاذيب عن أشياء على اسفلت الشارع فأمضي ثلاث ساعات متواصله من المشي دون أن أهتم برفع عيني لما حولي
شيء في قلبي يملئني بإحساس الهزيمة .

اقاوم انجذابي نحو الأرض ثم أستسلم وأجلس على حافة رصيف منخفض
أشعر بالدنو ، يعلو صدري ويهبط في محاولة لالتقاط أنفاس منتظمة محملة برائحة الفرح لكني اخفق
يمر جواري رجل مسن ويهمس لي – سبيها على الله –
اتساءل بعد اختفاءه كأنه غيمة ضباب مرت جواري وتلاشت هل يبدو الحزن على ملامحي لهذه الدرجة .

تكاد حافلة أن تصطدم بي عند عبوري الطريق لأنها جاءت مسرعة من الجانب الآخر ، ولأني لم استطع ان ارفع عيني نحو الطريق
عندما مرت بمحازاتي تماما
رأيت المشهد البديل ، جسدي مسجيا على الأرض مغطيا بالدماء

ابتهجت لأن الحافلة اخطأتني
ولأن لازال لديّ المزيد من الوقت
قطعت باقي المسافة وأنا أغني – الدنيا ريشة في هوا- كنت اغنى وصوت منير يملأ قلبي وليس صوت سعد عبد الوهاب

كنت افكر في فيلم " اميرة التوابل " التي اقترحت عليّ رؤيته صديقتي الفراشة كما أحب تسميتها وأحضره لي صديقي الطيب الذي لا استحق صداقته ، أميرة التوابل التي تتحدث اليها النباتات والتوابل وتمنح من خلالها الحياري والمحتاجين يد العون والمساعدة .
أفكر اني احتاج منها خلطة قوية لتجعلني أنسى الذكريات الأليمة ، لطرد اشباح اخفاقات العمر ، خلطة للأمل والبدء من جديد

والتوقف عن الكتابة كأنها طريقتي للتداوي
لماذا لا أملك ترف التملص من كتابة الوجع عندما أرغب في تزييفه

الساعات الطويلة التي قطعت فيها الشوارع سمحت للحزن أن يتسرب من جعبتي ،
الرواية الجميلة التي أقرأها الآن انقذتني من الجنون

رواية " ميراث الخسارة " لكاتبة هندية شابة هي كيران ديساي
في المرة الأولى التي وقعت فيها عيني على نسخة من هذه الرواية كان في نافذة عرض مكتبة حكومية
رددت اسم الرواية في قلبي- ميراث الخسارة – وتساءلت عما قد يكون !
داخل الرواية كان هناك الكثير جدا من الجمال والشجن والإنسانية ، في كل مرة كنت اترك فيها النسخة وأنشغل عنها بشئ كنت أشعر اني اطوي الصفحات المحملة بالدم واللحم والأنفاس والحيرة كنت أفكر في ما قالته الكاتبة
" هل يمكن أن يتحول في أعماقنا الشعور بما نحققه من إنجاز إلى شئ أشبه بالخسارة والفقد ؟

كل ما حققته من انجازات في حياتي أحالني للشعور بالفقد والخسارة
لتحقيق حلمي بالعمل في الصحافة كان عليّ أن أنذر سنوات بلا أمل ، كان عليّ ان اقامر بالعمر ، عندما أحببت رجل منحته كل ضحكات القلب وطاقات الفرح حتى تمكنت من قلبه فاجئني ان ما حصلت عليه ليس كافيا لتحقيق السعادة .
حتى الكتابة التي أبادلها الروح وأقايض بها العالم
تعذبني وتغير أبعاد الكون والبشر من حولي

في رواية ديساي أجد بعض العلامات التي تدلني
تقول على لسان "ساي " انها فقدت مهارتها القديمة في العيش وحيدة "
ابتسم لأني لم أتخيل ابدا أني سأكون إجتماعية هكذا ، لم اكن اتخيل اني فقدت قدرتي على الوحدة .

يقول العم بوتي ناصحا ساي
يتعين عليك أن تنظري للحب باعتباره فنا ، أو كقطعه نسيج مزدانه بالرسوم والصور، وأن تدركي أن ما يصاحب الحب من حزن وفقد وخسارة يفوق في قيمته اي سعادة اخرى .

حسنا سأستمع للعم بوتي سأحمل في قلبي الحزن والفقد والخسارة وأطمئن .

11 comments:

إيناس حليم said...

حتى الكتابة التي أبادلها الروح وأقايض بها العالم
تعذبني وتغير أبعاد الكون والبشر من حولي"

هي دي مشكلتها.. الكتابة بتخليكي تشوفي الكون من فوق، وكل ما تشوفيه اوي كل ما تضايقي وبعدها بتجيلك حالة من تقبل العالم بشكل مرعب.. بشكل ممكن يضيع حتى جمال الأشياء الجميلة علشان بيحللها اوي ويخليها ملهاش طعم.
بعد كدة بتجيلك حالة عدم الاندهاش بأي شيء وده في حد ذاته بيحرمك من لذة معينة.. أعتقد ان الناس اللي بيندهشوا اكثر سعادة :)


هتصدقيني لو قلتلك ان نفس الموقف الاولاني حصل معايا.. وان الراجل اللي قلك سيبيها على الله واحد زيه قالهالي في يوم من الأيام بس كنت ساعتها راكبة تاكسي وبرضه راسي لتحت من غير مبرر..
سيبيها على الله يا نهى وافرحي بالحاجات اللي معاكي اوي علشان هي حاجات جميلة وربنا خلقها عشانك

Sheroo said...

نهى محمود
هل يمكن أن يتحول فى أعماقنا الشعور بما نحققه من إنجاز إلى شىء أشبه بالخسارة والفقد؟
الكتابة التى أبادلها الروح وأقايض بها العالم تعذبنى وتغير أبعاد الكون والبشر من حولى
فقدت مهارة العيش وحيدة
ما يصاحب الحب من حزن وفقد وخسارة يفوق فى قيمته أى سعادة أخرى

كم هو صعب لو وصل لنا هذا الإحساس بأن كل ما نحققه من إنجاز ما هو إلا خسارة وفقد
خسارة إلى أشياء نعتقد انها كانت أهم وفقد لأشياء وأشخاص نرى أننا لو كنا تنازلنا عن ما أنجزناه أنذاك
فى سبيلهم لكان ذلك أفضل
الكتابة هى الشىء الوحيد الذى نلتقى فيه دون مساحيق تجميل دون زيف فى عالم لا يخلو من الزيف نعم تجعلنا نختلف ونرى فى كل لحظة بوجهات نظر مختلفة وتناقضات وإعتقادات ربما تصيبنا بالجنون
إلا أنها عشق إلى حد الإدمان أو تكاد أن تكون الإدمان ذاته
فلا نستطيع الإستغناء عنها مهما توقفنا ومنعنا أنفسنا منها إلا أننا نجد الكلام ينفذ من أعماقنا دون كتابة فمهما حاولنا نجد أصابعنا تتحرك دوناً عنا
ونكتب
أصبحت أفقد مهارة العيش مع حبيب لأنى أحتاجه بشدة لدرجة أنى لا أستطيع الإحتفاظ به كأنى أحتاج إلى أساسات جديدة بعد فساد سابقتها لأتعلم كيف أحتفظ بحبيب ربما أخاف كثيراً من وجود حبيب إلا أنى أحتاجه، كما أصبحت أفقد مهارة العيش مع الآخرين رغم أنى أتقنها بشدة إلا أنى أصبحت أملها ولا أتمنى سوى ما أفتقده
شعرت فى فيلم سيدة النباتات أن النباتات تتحدث إلى مثلما كانت تتحدث لبطلة الفيلم توحى إلى البهارات بالدفء وأعواد القرفة بجمال الشتاء أتمنى لو تستطيع البهارات أن تحل لى أزمتى فى الحياة
نعم ما يصاحب الحب من وجع وألم وفقد يفوق قيمته فى أى سعادة أخرى
نتألم ونحب
نتعذب ونحب
وربما نبكى من قوة النشوة
ونشعر بالوجع من شدة الإشتياق

نهى محمود دائماً ما تبدعين فى وصف حالى

Sheroo said...

نهى محمود
هل يمكن أن يتحول فى أعماقنا الشعور بما نحققه من إنجاز إلى شىء أشبه بالخسارة والفقد؟
الكتابة التى أبادلها الروح وأقايض بها العالم تعذبنى وتغير أبعاد الكون والبشر من حولى
فقدت مهارة العيش وحيدة
ما يصاحب الحب من حزن وفقد وخسارة يفوق فى قيمته أى سعادة أخرى

كم هو صعب لو وصل لنا هذا الإحساس بأن كل ما نحققه من إنجاز ما هو إلا خسارة وفقد
خسارة إلى أشياء نعتقد انها كانت أهم وفقد لأشياء وأشخاص نرى أننا لو كنا تنازلنا عن ما أنجزناه أنذاك
فى سبيلهم لكان ذلك أفضل
الكتابة هى الشىء الوحيد الذى نلتقى فيه دون مساحيق تجميل دون زيف فى عالم لا يخلو من الزيف نعم تجعلنا نختلف ونرى فى كل لحظة بوجهات نظر مختلفة وتناقضات وإعتقادات ربما تصيبنا بالجنون
إلا أنها عشق إلى حد الإدمان أو تكاد أن تكون الإدمان ذاته
فلا نستطيع الإستغناء عنها مهما توقفنا ومنعنا أنفسنا منها إلا أننا نجد الكلام ينفذ من أعماقنا دون كتابة فمهما حاولنا نجد أصابعنا تتحرك دوناً عنا
ونكتب
أصبحت أفقد مهارة العيش مع حبيب لأنى أحتاجه بشدة لدرجة أنى لا أستطيع الإحتفاظ به كأنى أحتاج إلى أساسات جديدة بعد فساد سابقتها لأتعلم كيف أحتفظ بحبيب ربما أخاف كثيراً من وجود حبيب إلا أنى أحتاجه، كما أصبحت أفقد مهارة العيش مع الآخرين رغم أنى أتقنها بشدة إلا أنى أصبحت أملها ولا أتمنى سوى ما أفتقده

Sheroo said...

شعرت فى فيلم سيدة النباتات أن النباتات تتحدث إلى مثلما كانت تتحدث لبطلة الفيلم توحى إلى البهارات بالدفء وأعواد القرفة بجمال الشتاء أتمنى لو تستطيع البهارات أن تحل لى أزمتى فى الحياة
نعم ما يصاحب الحب من وجع وألم وفقد يفوق قيمته فى أى سعادة أخرى
نتألم ونحب
نتعذب ونحب
وربما نبكى من قوة النشوة
ونشعر بالوجع من شدة الإشتياق

نهى محمود دائماً ما تبدعين فى وصف حالى

Sheroo said...

هو فيلم أميرة التوابل مش سيدة النباتات عذراً

Anonymous said...

" يمر جواري رجل مسن ويهمس لي – سبيها على الله – "
وجدت صدى طيب لدي وربما قابلتها بتلك الآية " ومن يتقِ الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب "
أتمنى ألا يفهم من دفعي لهذه الآية هنا بأن عكس التقوى ما هو جاثم هنا .. لا كلنا نلتمس التقوى والمزيد من الغيمان بالله وأنا أول هؤلاء

أتمنى لكِ السكينة

يا مراكبي said...

!!
waw

طيب اقري تاني دول كده ورا بعض


رأيت المشهد البديل ، جسدي مسجيا على الأرض مغطيا بالدماء


كنت اغنى وصوت منير يملأ قلبي وليس صوت سعد عبد الوهاب

لماذا لا أملك ترف التملص من كتابة الوجع عندما أرغب في تزييفه

هل يمكن أن يتحول في أعماقنا الشعور بما نحققه من إنجاز إلى شئ أشبه بالخسارة والفقد


شفتي المُلَّخَص الجميل ده متناغم ازاي وشارح نفسُه بِنفسُه ازاي؟

دُمتِ مُبدِعة

hanan khorshid said...

الفيلم حلو اوى
آيشوريا راى دائمة متناغمة مع اى سيناريو
والرواية نفسى فيها
بس مش عارفة اجيبها منين
ممكن تقوليلى اجيبها منين
ويا ريت كمان افروديت - ايزابيل الليندى
لانى مش عارفة دار ورد بتوزع فين

Unknown said...

نهى ..
كل ماتقومين بكتابته هي طقوس واضحة للتجاوز و ستنجحين
قال لي أحدهم أنني اكتب مفضوحة المشاعر و أنه يجب علي أن أخجل من نشر مشاعري على حبال الانترنت لكنني لم أهتم
فقط استمررت في الكتابة
...............
توجد أشياء يجب علينا التضحية بها للحصول على الأشياء التي ترضينا
أنا أيضاً قامرت بعمري حين اخترت ان أسافر بعيدا عن مصر
الناس نسوني .. و أنا نسيتهم !!

و الحب كل مشكلته انه قدري بحت .. و يا ليتني أستطيع فهم توقيتاته !!
و فلسفاته ..!!
سيبيها على الله يا نهى
أنتِ لازلتِ في البدايات .. فلا تعتقدي أنك قامرت بالعمر .. أنتِ جميلة و ناجحة و ستصلين مبكراً إلى أحلامك فلا تقلقي يا حبيبتي

قطة وخيوط said...

لا أعرف ما الذي يجعلني أمشي مطأطأة الرأس هذه الأيام
، لا أجد سببا واضحا لإحساسي بالعار والخزي الذي يدفعني للبحث كالمجاذيب عن أشياء على اسفلت الشارع فأمضي ثلاث ساعات متواصله من المشي دون أن أهتم برفع عيني لما حولي
شيء في قلبي يملئني بإحساس الهزيمة .


هو ده بالظبط الإحساس الى جوايا بقالى كتير وماكنتش عارفة إذاى ممكن أعبر عنه
و الى كلامك دلوقتى عبر عنه بالظبط ذى ما أنا حاساه ومش عارفة أقوله
شكرا بجد أوى

arfaculty said...

مقالك مسموعا
تسجيلا وتقديرا
http://music.burst-dev.com/download.php?id=2039478

 

كراكيب نهى محمود © 2008. Design By: SkinCorner