Friday, July 29, 2011

يشبه الكسر


تقفز من الشرفة
هي التي تخاف المرتفعات والبطيخ ، تغلبت على فوبيا البطيخ بنصيحة صديقها الشاعر الطبيب يحيي قدري، قال لها وهما يمشيان في شارع الفلكي
قولي ورايا – البطيخ طيب البطيخ حلو – قالها بصوت عال متصنعا الجد
في المرات التالية كلها ظلت تردد ذلك بحماس ، حتى استطاعت لأول مرة ان تلمس بطيخة كبيرة تبدو متوحشة في الجانب المخصص للبطيخ في الهايبر – السوبر ماركت العملاق الذي يجعلها تشتري أشياءا كثيرة لا تريدها لمجرد ان عليها عروض .
تلمس البطيخ بعدوانية ، تلسعه على صلعته وتفر ، فيما بعد صارت تلسعه وتقف قليلا جواره منتظرة ردة فعل .
في النهاية أعلنت انها تخلصت من فوبيا البطيخ ، لم يعد قلبها يدق بشدة عندما تراه قادما من بعيد في عربة فاكهة .
لم يعد محمد أبو زيد قادرا على معايرتها بهذه الفوبيا الآن ، سيكتفي بغرامها الغريب بسمكة الحنكليس .. ولم يعد على الطاهر شرقاوي أن يطلب منها أن تشيح ببصرها عن الجانب الأيسر للرصيف بجوار مقهى صالح حيث يقف بائع البطيخ حتى لا تخاف وهي تجلس هناك بعد ضهر يوم الأحد لتشرب القهوة معه ومع طارق هاشم الذي يناولها كل مرة كتابا ضخما قديما يستحق منها شهقة قبل ان تقول لزمتها التي يعرفها كل الأصدقاء – أه يا قلبي- ،
ولم يعد أبوها مضطرا للحرمان من هذه الفاكهة التي يحبها لمجرد ان وجودها في البيت تجعل البنت متوجسة طوال الوقت .

تقفز من النافذة بسهولة من لم تعاني من فوبيات في حياتها ، بسهولة الخروج من رحم الأم للعالم .. بقسوة ما ينتظرها هناك .
عندما تسقط من الدور الثالث ، تترك نفسها هناك وتعود للداخل متخلصة من الحب وأوجاع القلب ، وحبيب لم تفلح أن تحتفظ به في قلبها أكثر من ذلك .. فمدت يدها لقلبها وأنتزعت ذلك الرجل الموجع جدا ، القاسي ، وتحيرت اين تتركه فغلفته جيدا ووضعته في الديب فريزر ذي الادراج الخمسة الذي اشترته مؤخرا من الهايبر لأن عليه مكواه هدية ، هي التي لا ترتدي ملابس تحتاج للكي ، وترسل ملابس الآخرين للدراي كلين ، ستحتفظ بالمكواة لتتزلح عليها في مدينة سحرية مغطاة بالثلج ، يركب فيها البشر المكواة للتنقل .

تعود للفراش ، وتفكر في أنها اشتاقت جلسة صباحية على مقهى البستان مع صديقها وحيد الطويلة الذي يصبغ القاهرة بألحان مبهجة عندما يعود في إجازة ، تبتسم وهي تتذكر البالونات التي كانت تلعب بها مع الصغيرة ليلو على رصيف شارع شريف ، فوقعت منهما معا ضحكة خالصة ، صارت تشير لها كل يوم عند مرورها من هناك وتسألها عن ليلو ، فتجيب دون أن تتوقف ستجئ قريبا .

تقفز من النافذة ، وتعود للفراش ، ثم تنهض متحسسة كسورالروح ، وخدوش الجسد إثر السقوط .. وتتحرك بهدوء لتدخل حجرة المكتب .
تفكر في فيلم – سماء الفانيليا – ذلك الفيلم الكابوسي الذي لا يعجبها فيه سوى اسمه ، خاصة وهي تتذكره طوال الايام التي قضتها في فراشها تبتلع حبات المهدئ ، وتحاول الإبتسام لكنها تخفق فتبكي .

فلا ترد على هاتفها عندما تتصل بها رحاب العائدة في إجازة ، لأنها لا تستطيع أن تقابلها بكل ذلك الإنكسار .. تفكر أنها ربما تغادر هذه المرة دون أن يتقابلا ..
دون أن تمنحها حضن يكفيها شهورا اخرى من الغياب ، دون ان يتجولا في شوارع وسط البلد لتتأكدا معا أن ثمة ما بقا هنا رغم الغياب .

تشعر بإستياء لأنها لم تستطع أن تحضر حفل توقيع خالد ، لأنها قضت ذلك الوقت هناك على الرصيف في الشارع المهجور ، تحارب الأشباح .

تخرج رواية " اطياف" وتبتسم لها .. وتعرف أن رضوى عاشور تصلح لهذا الوقت من العام ، ولهذا الحزن ، ولهذه الروح المكسرة مائة قطعة .
تتذكر زهرة التي أرسلت لها رسالة على هاتفها المحمول تخبرها فيها أنها سترسل لها بعضا من الطاقة والأمنيات الطيبة ،
وفي رباب التي تنتظر أن يتحول الوجع لكتابة ، فتبدو لها إشارة مفادها أن تكتب حتى تتداوي ...
تفكر في شراء فانوس لصديقة صغيرة تحبها ، وتشعر أنها مسئولة عنها بشكل ما ، وتفكر في المزيد من حبوب المهدأ ، والصمت
تتذكر كل من تحب ، وتفكر في كل ما خذلها ، ثم تنهض من جديد وتنظر من الشرفة على نفسها التي قفزت منذ قليل قبل أن تعود للداخل في هدوء ، متحسسة أوجاع الروح وخدوش الجسد .

9 comments:

candy said...

الخلط بين الخيال والواقع بيخلى الحياة زى قصص الكارتون ...
فى قصص الكارتون حتى الحاجات اللى تحسب كوارث بتضحك ، لما حد بيدوسه قطر بتضحك ، وهو يقوم يكمل عادى.

يعنى أنا مثلا زعلت قوى لما اشترت التلاجة اللى عليها مكوة هدية ، بس لقتنى ببتسم وبفك تشكيرة السخط لما عرفت ان فى مدينة كلها تلج وبيتزحلقوا فيها على التلج بمطوة !!

فى رواية تركية بقراها حاليا فيها جملة جت على بالى وأنا بقرا البوست دا بتقول : "عزيزتى بيلين ، ربما سر الحياة لايكمن فى الطريقة التى نعيش بها. ولكن فى الطريقة التى نحكى بها عن حياتنا. هناك الكثير من الحيوات التى لايوجد فيها مايؤرقها ، لكنها تتحول إلى قصة رائعة من خلال موهبة الحاكى."

وأنت طبعا حاكية من الدرجة الأولى ...

تحياتى :)))

كراكيب نـهـى مـحمود said...

كاندي ممكن اقولك ان التعليق ده احلى بكتير من البوست :)
اسم الرواية ايه هحب ابص عليها والجملة التي كتبتيها منها مرعبة من كثرة صدقها وجمالها شكرا لك سنة حلوة عليكي

حسن ارابيسك said...

الكاتبة الجميلة والرائعة نهى محمود
رمضان كريم

candy said...

ميرسى على المجاملة ...

واسم الرواية بس ؟؟ لأ طلما هاتبصى يبقى أدى بوست كامل عن الرواية

http://sham3a-bas.blogspot.com/2011/08/blog-post.html

أحنا عدنا كام نهى يعنى :)

الرواية فعلا جميلة
وأنا فى ديكى الساعة لما تطلبة حاجة

يلا إنشاالله ماحد حوش

Unknown said...

:)

دعـاء عـلى said...

جملة واحدة .. آه يا قلبي :)

كراكيب نـهـى مـحمود said...

كاندي يسعد أيامك - شكرا جزيلا

حسن ارابيسك - وانت طيب والله أكرم

تشاك - شكرا لمرورك

دعاء - مش كده والنبي :)

hend said...

اعجبتني كثيرا يا نهى و خاصة تلك العبارة التي قامت فيها نفس البطلة بمحاولة لتضميد جراحها فكم من نفس هربت من اصحابها اهلكهتا الحجج و الشروط.
انا اول مرة اقرأ لك شيئا و صدقا لن تكون الاخيرة ...

يا مراكبي said...

العنوان والفكرة رائعين

القفز الإفتراضي من الشرفة ثم العودة مُجدداً ثم تكرار ذلك القفز، أمر ينطبق تماماً على العنوان "يشبه الكسر" وأحسست به بالفعل

أتمنى بالفعل أن أتمكن يوما أن أقفز هكذا من الشرفة .. بشرط أن أعود

 

كراكيب نهى محمود © 2008. Design By: SkinCorner