Sunday, December 30, 2007

هدوء القتلة




لم تظهر سوسن في الفجر .

حين خرجتُ للبلكونة مرتبكاً وجدت بذلة الضابط نائمةً على حافة البلكونة .

أكمامُها تترنح في الهواء الخفيف .

يبدو أنها قذفت بها في المساء و قررت ألا تخرج .

أصابني إحباط : طالما تمنيت أن أرى سوسن في العتمة .

لكن .. ربما لو كنت ظللت طيلة الليل في البلكونة ما خَرجَت .

عيناها تعملان من خلف الشيش . لم تفعل ذلك إلا عندما تأكدت من عدم وجودي .

ربما خشيت سوسن المواجهة الأولى ، مثلي .البذلة على مقاسي تقريباً .

يبدو أنه كان على نفس الدرجة من نحافتي ،

غير أن قامته كانت أقصر بسنتيمترات قليلة .الأكمام لا تغطي رسغيَّ ..

و كذلك البنطلون قصير بعض الشيء . تأملتُ نفسي أمام المرآة .

انتفض جسدي ، و شعرتُ بأنفاسي تنسحب منِّي .وضعت يديَّ بشكل تلقائي في جيبي البذلة ،

لامس جسداً معدنياً دقيقا ، وورقة . مفتاح صغير و خطاب مقتضب : لن أغادرَ الشقة إلا إذا أتيت .

خرجتُ من جديد للبلكونة .المشهد أمامي رمادي .

فتيات صرن الآن سيدات شائخات يمشين مشبوكي الأيدي مع شباب مفتولين ،

شعورهم لامعة مغسولة بالصابون . الشارع مبلط تعبره سيارات كُتب على لافتاتها " خصوصي مصر " .

أمعنتُ النظر أمامي . عينا سوسن ليستا خلف الشيش ..

أو هكذا يبو لي .بملابس الضابط قطعتُ السلالم باتجاه شقتها .

فتحتُ الباب بسرعة . دار المفتاح أكثر من ثلاث دورات في " العُقب " . لقد أغَلقَت المرأة الوحيدة الباب من الداخل . كما توقعت ، كانت شقة من زمن آخر . غارقة في العتمة كأن ذلك الذي بالخارج ليس الصباح .

طراز الأثاث عتيق ، و رائحة ثقيلة تغمر المكان . لم أتخيل أن يكون سقفُها عالياً لهذه الدرجة ،

بعيد و عامر بالثريات في كل الغرف .أعملتُ يدي في كل مفاتيح النور و لم تعمل .

المرأة كانت تحيا في العتمة.جسدُها كان ممدداً على سريرها العالي ذي الأعمدة ،

في الغرفة التي تطل على بلكونتي بالذات . حاولت أن أوقظها ، بنحنحة في البداية ،

ثم بكلمة يا مدام ولكنها لم تستجب . بدأتُ أهز جسدها برفق.. ثم بعنف .

جسدها أزرق و مثلج . عيناها مفتوحتان على اتساعهما . جسدها متيبس .

اختارتني سوسن لأخبر الناس بموتها قبل أن تتعفن في الظلام . ربما انتَحَرَت .

ربما مات حبيبها القديم اليوم بالذات .. تحقق وعده بميتة متزامنة لكليهما .

لم أجرب قبل ذلك أن أقتل جثماناً .أي لون سيكون عليه دمُ امرأة ميتة إذا تجولت مطواة ٌفي جسدها ؟


من هدوء القتلة

طارق إمام

قريبا دار ميريت يناير 2008


مبروك يا طارق .

4 comments:

Anonymous said...

تحية جامدة جدا ليكي يانهى ....أنا زعلانة إني اتأخرت في قراءة روايتك واكتشاف حد جميل زيك...وكنتي قافلة المدونة ليه؟...عموما ياللا ورينا الهمة ومتعينا بكتاب جديد...وهدوء القتلة شكلها مثيرة وبما إن انتي وباسم شرف كاتبين عليها تبقى أكيد هايلة...فرصة سعيدة
مي بهاء

teba said...

نهى

كل سنة و انتى طيبة..

Hend Sallam said...

i liked it,it is so emotional

كراكيب نـهـى مـحمود said...

مي- اسعدتني كلماتك جدا جدا
سعيدة ان المكعبات عجبتك
كنت قافله المدونة لحدوث قافله شخصية في مراكز الاحساس عندي
بس عدت الحمد لله
رواية طارق بحجد هتفاجئك وتزهلك
لانها نص موحي وشديد التجديد هتشوفيها
ومنتظرين رايك طبعا وواتمنى تكرار الزيارة


طيبة- وانتي مبدعه وجميله وطيبة

ايها الملاك المذهل0 انها بالفعل رواية تستحق غارقه في الجمال
شكرا

 

كراكيب نهى محمود © 2008. Design By: SkinCorner